المبادرة الصينية لترسيخ مبادئ الحق والعدل والسلام المتوازن
محمـد علوش | عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
تأتي الصين مجدداً بمبادرة سياسية جديدة لإنهاء مشاكل وأزمات منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية استنادا لقرارات الشرعية الدولية ، وهذا الدور الصيني اليوم ومن خلال ” المبادرة الصينية ” التي أطلقها وزير الخارجية في الحكومة الصينية والتي تتضمن خمس نقاط أساسية اتجاه قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية عبر دعوتها للاحترام المتبادل والالتزام بالإنصاف والعدالة وحل القضية الفلسطينية من خلال ” حل الدولتين ” الذي يمثل أهم عناوين الإنصاف والعدالة لتحقيق السلام العادل والشامل والمتوازن ودعم عقد المؤتمر الدولي ذي المصداقية برعاية دولية متعددة وتحقيق السلام على مستوى المنطقة وإنهاء الاحتكار الأمريكي لرعاية عملية السلام والتي أثبتت فشلها وانحيازها للاحتلال ، وشراكة الولايات المتحدة لإسرائيل في سياساتها ومخططاتها المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة معروفة ومكشوفة ويعرفها كل العالم وعبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تجدد ولائها ودعمها لإسرائيل كدولة عدوانية وعنصرية ودولة احتلال قائمة بقوة الاحتلال وغطرسته وهمجيته.
بكين اليوم بما تمتاز به من حضور سياسي واقتصادي متعاظم عالمياً تقدم مبادرتها السياسية والدبلوماسية إسهاماً منها في خلق مناخات ملائمة لإطلاق عملية السلام ورفع الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة عام 1967 ، وهي تشكل خطة بناءة للعمل الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الشرعية الدولية ، وتقضي المبادرة الصينية بالتخلي عن النظر إلى هذه المنطقة من ناحية التنافس الجيوسياسي وتحمل المسؤولية الدولية لحماية أمن واستقرار المنطقة باعتبار ذلك تعزيزاً للأمن والاستقرار الدوليين .
أن المبادرة الصينية تتضمن بنوداً هامة حول حل الدولتين للقضية الفلسطينية وتعزيز نظام عدم الانتشار وتفعيل مبادئ الأمن المشترك وإطلاق آليات التعاون الاقتصادي ، وهي تشكل خطة متكاملة ، وتوفر إطاراً فعالاً وواقعياً للمجتمع الدولي ، وكل الأطراف ذات الصلة.
إننا ونحن نرحب بمبادرة الخارجية الصينية التي طرحها مستشار الدولة وزير الخارجية الصينية وانغ يي فإننا نأمل مزيداً من الفعل والتأثير السياسي الصيني باعتبار الصين بلداً صديقاً للشعب الفلسطيني والعلاقات الفلسطينية الصينية علاقات تاريخية وتحظى بثقة واحترام متبادل من الجانبين ، وكذلك نعتبر المبادرة الصينية منصة لتجديد التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية التي تراجع حضورها في المشهد السياسي الدولي في ظل الهيمنة والسياسات الأمريكية المنحازة للاحتلال الإسرائيلي وحكوماته المتعاقبة ، حيث تراجعت القضية الفلسطينية بتأثيرات أمريكية التي خلقت وقائع جديدة في العالم وفي الشرق الأوسط منذ بداية ما يعرف بالفوضى الخلاقة وما يسميه البعض بالربيع العربي .
إن حل القضية الفلسطينية وتحقيق ” حل الدولتين ” يمثل أهم محك للعدالة والإنصاف في الشرق الأوسط ، بحيث تدعم الحكومة الصينية جهود الوساطة الحثيثة للمجتمع الدولي بغية تحقيق هذا الهدف ، وإنّ تأكيد الصين على عقد مؤتمر دولي للسلام ، وكذلك حرصها على دفع مراجعة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي أثناء رئاستها للمجلس في شهر مايو القادم ، بما يجدد التأكيد على ” حل الدولتين ” ، يشكل خطوة مهمة يمكن البناء عليها لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط ، فالصين تعد لاعباً دولياً مهماً ويزداد دورها أهمية إقليمياً ودولياً ، وتستطيع انطلاقاً من ذلك أنّ تلعب دوراً أكثر توازناً وانحيازاً في دفع عملية السلام.
الصين وهي تقدم مبادرتها الجديدة للسلام في المنطقة فإنها تسير خطوات ثابتة وراسخة كبلد عملاق ويحظى بمكانة دولية مرموقة رغم كل المحاولات الأمريكية والغربية التي تستهدف النيل من أي مشروع صيني على كافة المستويات في إطار الحرب الامبريالية المعادية لجمهورية الصين الشعبية التي يعتبرونها تهديداً لمصالحهم السياسية والاقتصادية والعسكرية ، فالتقدم الصيني والتطور الكبير وعمليات النمو والازدهار والبناء المتماسك للدولة الصينية والحزب الشيوعي الصيني لا يروق للأطراف المعادية والعابثة ، وان تطرح الصين مبادرتها في ظل كل ذلك وفي ظل ما يحاك ضدها في بحر الصين الجنوبي وفي هونج كونج وفي الداخل الصيني واستهداف وحدتها الداخلية وتشويه منطلقاتها وعلاقات مكونات الشعب الصيني فيما بينهم يعتبر حضوراً كبيراً ومتقدماً للصين في السياسية الدولية .
المبادرة الصينية هي انتصار لعدالة القضية الفلسطينية وتدخل صيني ايجابي للحل الذي يستند لقرارات الشرعية الدولية المعطلة في ظل الهيمنة والنفوذ الأمريكي ، وهذه المبادرة المهمة تأتي منسجمة مع التوجهات الفلسطينية ومبادرة الرئيس الفلسطيني لعقد مؤتمر دولي للسلام ، بل إنها تعطي كل المصداقية للموقف الفلسطيني في الساحات الدولية وخصوصاً وان الصين ستتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي في مايو القادم ، وهذا ما يدعونا للتأكيد لأصدقائنا الصينيين للدفع قدماً نحو عملية السلام والضغط على دولة الاحتلال الكولونيالي الصهيوني للالتزام بقرارات الشرعية الدولية .
إن خيار السلام العادل والشامل والمتوازن ما يزال خياراً استراتيجياً للشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد استناداً لوثيقة إعلان الاستقلال 1988 وكافة القرارات والتوجهات المقرة من المجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطيني .
نجدد تقديرنا للجهود الصينية ونأمل بأن يتعاظم الدور الصيني على كافة المستويات ، وأن تتكلل مبادرتها بالنجاح وبالاهتمام الدولي من اجل المساهمة في إطفاء حرائق العالم وفي المقدمة منها إنهاء الصراع العربي الفلسطيني – الإسرائيلي ، وتحقيق الإنصاف والعدالة والحرية الناجزة للشعب الفلسطيني .