هدفنا في الحياة

د. / رأفت عبد الباسط محمد قابيل أستاذ علم النفس الاكلينيكي بكلية الآداب بجامعة سوهاج – مصرل

ماذا نحن في هذه الحياة؟ ما هو هدفنا؟ ولماذا خلقنا الله؟ هل خلقنا لإلحاق الأذى والضرر بالأخرين؟ أم أنه خلقنا لنتعارف، ونتحاب في الله، ونعيش في جو من الوئام والسلام والمحبة والألفة والود؟ ” تكمن الإجابة على هذه التساؤلات في هذه الأية الكريمة: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “ (سورة الحجرات: 13)

فلماذا إذن هذا الاقتتال، وكل هذه الصراعات المستمرة، والمشاحنات، والمنازعات التي بيننا؟ هل تعارض المصالح، ووجود فروق بيننا هي السبب الجوهري لتلك الصراعات كما يدعي ويردد علماء النفس والاجتماع؟ 

   عموما هي مجرد أفكار وأسئلة تدور في ذهني وأحببت أن أطرحها عليكم لعلكم تساعدونني في إيجاد إجابات مقنعة لها، وخاصة وأنها من وجهة نظري تشكل وتبلور ما نحن فيه من شقاء ومعاناة وضنك، أخبرنا عن سببه سبحانه وتعالى حين قال في كتابه “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ”  (سورة طه:124).

   لا شك ما نحن فيه، وما نعانيه يثير الخوف والفزع داخل أنفسنا، ويبدو أننا بالفعل قد ضللنا طريق السعادة والعيش في سلام ووئام وحب، ولم نعد نعرف إلا طريق الضلال والشقاء والمعاناة والكراهية.

   فقد ترسخ في أذهاننا وقلوبنا أن سعادتنا تتحقق فقط من خلال العلم، وما نحرزه بفضل العلم من تقدم تقنيي-تكنولوجي متناسين أو متجاهلين بقصد أو بدون قصد، بوعي أو بدون وعي أن العلم، وأقصد بالعلم هنا العلوم الطبيعية التي تجعلنا فقط أكثر واعياً ودراية وإلماماً بما هو خارج أجسادنا منكرة ومتجاهلة أهمية ما هو داجل تلك الأجساد من روحانيات ومشاعر وأحاسيس، باعتبار أن العلم الطبيعي لا يهتم فقط إلا بما هو مادي، ومحسوس، وعياني، وله وجود خارجي يمكن ملاحظته وقياسه وإخضاعه للتجربة، متناسيا أو متجاهلاً أن جوهر الإنسان وحقيقته يكمن في داخله، وأن سعادته وعدم شقائه مرهون بما في داخله، وما يمتلكه من أفكار وتصورات عن ذاته، وعن الأخرين، والعالم الذي يعيش فيه، فبقدر صحة تلك الأفكار والتصورات بقدر سعادته، وجمال وايجابية مشاعره، واستقامة سلوكه.   

   أن سعادتنا الحقيقية في الحياة ترتبط بمدى ادركنا ووعينا بأن الإنسان بوصفه وجود في العالم Being in the world ليس هو فقط وجود مادي-جسدي، وإنما أيضاً وجود إنساني-روحاني مشروط بقدرته على الحب، بقدرته على أن يُحٍب ويُحَب، وأن يأنس ويُنس به، فالقدرة على الحب هي التي تضفي، وتعطي لهذا الوجود الإنساني معنى وقيمة، فالوجود الإنساني يفقد معناه وقيمته لو فقد هذا الوجود الحب بمعناه الحقيقي الذي يتضمن معرفة حقيقية بالأخر، والاهتمام به ورعايته، والرغبة في العطاء، واشباع احتياجاته، واحترام خصوصيته. “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” 

   لا شك أن الفهم الحقيقي لغاية الإنسان في هذا الوجود، وماهية وجوده من حيث كونه وجود متسامي ومتعالي ومتجاوز لما هو مادي وجسدي وغرائزي، وأنه خليفة الله في أرضه المكلف بعدم الإفساد فيها وسفك الدماء بغير حق هو الضامن الوحيد للحفاظ على جمال إنسانيته وعلاقته بذاته، والأخرين، والمجتمع الذي يعيش فيه، والتقليل من الصراعات والمشاحنات والمنازعات، والعيش في سلام ووئام ومحبه إلا أن هذا يتطلب من الإنسان مراقبة ذاته ومحاسبتها، حيث إن الإخفاق في تلك المهمة يجعل الإنسان حبيس جسده ومطالبه، وغرائزه، وشهواته، وأنانيته، وأطماعه دون مراعاة لوجود أخر له حق عليه يجب عليه أن يراعيه. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ” (الحشر: 18) فالإنسان قوّام على نفسه، عليه أن يحاسبها قبل فوات الأوان، وفي هذا الصدد يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه” حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا”، واعلم أيها الإنسان أنك ستقف أمام الله وسوف يحاسبك ويسألك عما فعلت في دنياك “وقفوهم إنهم مسؤولون”. (سورة الصافات: 24)، وفي الختام لا يسعني إلا الدعاء لي ولكم بالسلامة في الدنيا والأخرة، وأن يعم قلوبنا بحب السلام والصفح والتسامح والعفو والغفران .. اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى