الصور تكذب وهذا اجمل ما فيها
فرحات جنيدي | كاتب وقاص – مصر
يطرح البعض الكثير من الأسئلة حول مدي الاستفادة من كل هذه الأطروحات والانتقادات التي أوزعها في كل موضع أو حرف اكتبه عن أداء وزارة الثقافة المصرية والعاملين بها؟ ما هو الهدف الذي تسعي للوصول اليه؟ بكل صراحة انا لا أنكر هدفي أو أخفي نيتي واليكم الكثير من المكاسب التي ستعود علي شخص مثلي. فانا بطبيعة تفكيري شخص غير مهتم بأنك تصيد الأسماك، أو أنك تطعم الدجاج، او تبتاع لي صوراً جميلة أو منزلاً بتصميم رائع وراقٍ بالرغم من أن كل هذه الأشياء تعتبر أعمالاً جيدة. إنني أحب أن اعيش في منزل مثل هذا وأن أضع في غرفة مكتبي صورة مثل هذه وأن أتلذذ بأكل السمك والبيض لكن اهتمامي الحقيقي سيكون بمن أبحر وغاص في أعماق البحار فصور الحياة البحرية وكتب لنا عن هذا العالم الجميل وبمن التقط تلك الصورة وبمن اجتهد وصمم لنا الرسم الهندسي للمنزل المزين بأجمل ما توصل إليه الفن المعماري فيا سيدي. هناك الكثير من الأعمال لا يمكن تصنيفها على أنها عمل نافع أو لهو لا فائدة منه. وفي كل الأحوال أنا فخور بك فلقد جمعت البيض وابتعته وعدت إلي منزلك تحمل ما اشتريت من سمك لكن ماذا قدمت للمستقبل؟ لا شئ إذا أنا وأولادي وأبناء شعبي مصر لم نستفد شيئاً. منذ وقت بعيد سألت الفنانة إسعاد يونس الفنان الراحل حسين الامام “ازاي عملت “امشي في الفجر حافي … الرزاز يرعش كتافي” بالجمال والحلاوة دي ؟! ابتسم ورد عليها وقال لها أبدا كنت بهزر. و لما اتهاجم عشان ظهر خلف عمرو دياب في كليب راجعين وازاي وهو نجم كبير وقتها وصاحب فرقة موسيقية يبقي عازف ورا عمرو؟! رد وقال إن كمان عشر سنين عمرو هيبقي الألفا. هنا نجد الإيمان بالنفس والإيمان نابع من قراء للمستقبل والاعتراف بحقيقة العمل وعدم الادعاء بالقدرات الخاصة والخارقة في إنجاز عمل رائع. وتلك الصورة التي رسمها حسين الامام بشفافية كان صورة صادقة وعاشت بين الناس وكتبها التاريخ لكن ماذا عن صورة العباقرة والمبدعين والملهمين في وزارة الثقافة المصرية تعالوا لنرى 550 موظفا يعملون في مركز السينما ويتقاضون رواتب شهرية، مقابل إنتاج أربعة أفلام في السنة. هل هذا إنجاز أيها السادة يجعل من هولاء فوق رؤوسنا طوال هذه السنين؟ هل تعرف سيدي القارئ أن الغرض الأساسي من إنشاء المركز القومي للسينما هو إنتاج الأفلام التسجيلية، التي رأت الدولة أنها أداة جيدة تصلح للدعاية للدولة وإنجازات الحكومة؟ وهي نظرة متخلفة لهذا النوع من الأفلام التي تلعب دوراً في النقد والترشيد والكشف عن تناقضات الواقع على نحو لا يتوفر لصناع الأفلام الخيالية الروائية. والمثير للسخرية أن كل إنتاج المركز لهذه النوعية من الأفلام لا يزيد سنويا عن 3 أو 4 أفلام. وفي الوقت نفسه يعمل بهذا المركز 550 موظفا يتقاضون رواتب تنتزع نحو 90 في المئة من الميزانية السنوية المخصصة للمركز. وعلي جانب آخر نجد الحلم الضائع والذي نحجت في تنفيذه سوريا رغم الحرب والإرهاب وكذلك لبنان رغم الفقر والفتنة الطائفية وتونس والجزائر والإمارات. الحلم الضائع يا سيدي هو أرشيف السينما المصرية “السينماتيك المصري” وأنا اقول “حلم ضائع” ومن الصعب تحقيقه حيث أن 90 % من أصول السينما ليست مملوكة للدولة وهناك 1700 فيلم مملوكة لقنوات روتانا و1500 مملوكة لقنوات أخرى. وهذا المشروع “السينماتيك المصرى” الذي كان من المقرر إنشاؤه في قصر عمر طوسون تم تحويله إلي مركز ثروت عكاشة الثقافي بعد فشل الوزارة مع الشريك الفرنسي . ومشروع “السينماتيك” هو بكل بساطة دار المحفوظات السينمائية، وهي توازي دار الكتب والمخطوطات أي أنه يشمل حفظ الأفلام التي تنتج في الدولة التي تقام فيها إلى جانب روائع الأفلام العالمية التي يمكن الحصول عليها، سواء في نسخ أصلية (نيغاتيف) أو موجبة. السينماتيك ليست فقط أرشيفا للأفلام، بل هو أيضا مكان لحفظ كل ما يتعلق بتاريخ السينما من صور وسيناريوهات ومخطوطات وغير ذلك، وليس من الممكن الحديث عن “تاريخ” للسينما في بلد ما دون وجود سينماتيك . هذا أمر مثير للدهشة والتعجب. بالطبع نعم لكن ما يدعو للغضب أن تعرف أنه بعد ١٠٠ عام من السينما المصرية ضاع “التاريخ الرسمي لمصر لم نعد نملك فيه شيئاً” لقد قدمت السينما المصرية مايقرب من أربعه الاف فيلم لا نملك من أصولها سوي ٢٥٠ فيلماً. ومازالت مصر لاتمتلك أرشيفاً للسينما رغم وجود محاولات لإنشاء سينماتيك بدايه من المحاوله الأولي العام ١٩٥٦ خلال تولي الكاتب الكبير الراحل يحيي حقي لمصلحه الفنون. لكن تعثر المشروع وتوالت المحاولات في عهد فاروق حسني وزير الثقافه الأسبق وغيره من روساء المركز القومي للسينما مثل الراحل علي أبو شادي وصولاً إلي السيناريست محمد الباسوسي في حين أن دولا عربيه عديدة عرفت السينما بعد مصر بسنوات نجحت في أن يكون لها سينماتيك تحفظ فيه ذاكرتها وموروثها السينمائي. لا تغضب علي تاريخك بل اغضب علي من عمل ومازال يعمل علي ضياع تاريخك تحت زعم أنه يحافظ عليه ويعمل من أجل استرداده فمنذ عام ٢٠٠٨ والسيد الدكتور خالد عبدالجليل مستشار وزير الثقافة لشؤون السينما والذي أُوكلت له تلك المهمة لم يفعل شيئاً يذكر حتي تاريخ نشر هذا المقال. ربما يخرج علينا البعض مدافعين عنه أو عن الوزارة. فلنقف لحظات أمام هذا الملف سنكتشف صوراً جميلة حقيقية وهي أن عشرات الأفلام التي تم نشرها في الآونة الأخيرة وكان آخرها فيلم مدينة الدواء كلها من إنتاج الشؤون المعنوية، أما الصورة الجميلة الكاذبة فهي توقيع عقود وبروتوكولات تعاون نفرح بها لكنها يا سادة مجرد صور كاذبة تخفي في طياتها الهزيمة والفشل وبيع التاريخ لمن ليس لديهم تاريخ. والسنوات التي ضاعت منذ ٢٠٠٨ وإلي اليوم في ٢٠٢١ لو كنا اجتهدنا خلالها وقدمنا عملاً حقيقياً لكان إنتاج المركز القومي للسينما كافياً لبداية جديدة وكأن هولاء الذين يتقاضون أجراً بلا عمل يفخرون بأنفسهم ونفرح نحن بهم. إن إنشاء السينماتيك لا يحتاج أن نبكي علي الماضي بل يحتاج أن نعمل للمستقبل والان نحن في انتظار قرار تعمل علي تنفيذه عقول جادة لا تهدف للربح أو الصورة أو التسويف من أجل الاستمرار وقبل الختام رسالة إلي رئيس المركز القومي للسينما والسيدة الوزيرة: ننتظر عدداً من الأفلام عن رجال الدولة والعلماء والأطباء والأدباء وفيلم خاص عن حياة اللواء صلاح الشاذلي صاحب فكرة إنشاء مدينة الدواء.
يا الله لقد نسيت أن أخبركم بالجائزة الكبري التي أحصل عليها عندما أكتب: عندما أكتب في الصالح العام يملكني شعور بأن يدي مازالت دافئة وأني مازالتُ طبيعياً أملك حريتي ولم أتحول إلي حيوان مسلوب الإرادة خلف أسوار شاوشينك الثقافة المصرية.