صفقة القرن.. فلسطين بين اغتيال القضية واحتلال الأرض (3 – 3)

إبراهيم محمد الهمداني | اليمن

– لماذا يعلن ترامب عن صفقة القرن مرة ثانية؟!

– هل يعني ذلك فشل صفقة القرن الأولى؟

– رغم عدم وجود أي تغيير في الصيغة أو الاستراتيجية، بين الاعلانين – الصفقتين إن جاز التعبير – فما الذي راهن عليه ترامب في إعلانه الصفقة مرة أخرى؟

– مما لا شك فيه إن دول الخليج بما فيها السعودية، لا تعدو كونها محميات بريطانية وأمريكية، ذات بنية هشة، تعتمد على راعيها اعتماداً كلياً، غير أن ترامب أعطاها فوق حجمها، وأعلنها مارداً يخيف به المنطقة، وقبل أن يستوعب المارد – المزعوم – دوره الجديد، سقط صانعه تحت أقدام المستضعفين، وعجز عن الحفاظ على مكانته وهيبته المصطنعة، فهل ينجح مارد القش الخليجي في انتشال سيده / فرعون القرن، بعد  سقوطه المدوي غريقاً في وحل الهزائم العسكرية والسياسية؟

عجز قرار ترامب عن تحقيق حلم اليهود في فلسطين، كما عجز قبله وعد بلفور، وفشلت صفقة القرن في صيغتها العالمية/العولمة، كما فشلت في صيغتها الإقليمية/ والعربية، رغم جهود كوشنر، ومجازفة حكام السعودية والإمارات والبحرين، في إعلان عمالتهم وتأييدهم للمشروع الصهيوني، ووقوفهم ضد فلسطين خاصة، والإسلام والمسلمين عامة، ورغم ذلك فشلت ورشة البحرين، وسقط مشروع التطبيع، وأسفر صبح الشعوب على خيانة الحكام وعمالة الأنظمة، وسقوط أسطورة الهيمنة الأمريكية، وبروز قبح المشروع الصهيوني، وصمود وشجاعة وبسالة محور المقاومة، الذي حمل فلسطين قضية مبدأية، ووقف في وجه الطاغوت الأمريكي، والحقد اليهودي والتوحش الصهيوني، وتسونامي نفط العمالة الخليجي.

تحولت انتصارات ترامب الدنكشوتي – التي ظنها كذلك – إلى هزائم نكراء مخزية، وتحولت حسابات أرباحه إلى خسائر مهينة، ودفع وما يزال لقاء عنجهيته وتكبره ثمناً باهضاً، فاتورة مستحقة السداد، حتى أوشكت بنوك الهيمنة وأرصدة الاستعلاء على إعلان إفلاسها، أو كادت، وعادت رسائله من عملية اغتيال سليماني والمهندس، بردود صاعقة وإجابات شعبية ورسمية وعسكرية مزلزلة، ألقت صفقته المزعومة، صفعة على وجهه، اقتلعت أحلامه الاستعمارية المستقبلية، ووجوده المهيمن الراهن، ليس من العراق فحسب، بل من المنطقة العربية بأكملها.

إن الإعلان لصفقة القرن مرة تلو أخرى، يدل على الفشل الذريع، والعجز الكامل، عن تحقيقها أو إمكانية تحققها، كما يدل على الإخفاقات المتلاحقة والهزائم المتوالية للإدارة الأمريكية والرئيس ترامب خاصة، الذي اعتمد استراتيجية صناعة الانتصارات الإعلامية، متحاشياً الوقوع في مواجهة عسكرية مباشرة، ليقينه بالهزيمة المسبقة، ومثلما سقطت فخر الصناعات العسكرية الأمريكية تحت أقدام المجاهدين من أبناء الجيش واللجان الشعبية، سقط الجيش الذي لا يقهر، وسقط ترامب، في مستنقعات عجزه وتناقضاته السياسية، وتخليه عن حماية عملائه آل سعود، وعجزه عن حماية نفسه، وحماية منابع النفط التي تتكئ عليها الخزينة الأمريكية، بعد إعلانه أن عملاءه ومصالحه في السعودية والخليج خط أحمر.

يمكن القول إن مشروع الحرب على اليمن، هو مشروع أمريكي صهيوني، تنفذه أدوات خليجية عربية، وإن فشل أمريكا في إخضاع الشعب اليمني، وانتصارات أبناء الجيش واللجان الشعبية اليمنية، من ضربات أرامكو إلى عملية نصر من الله ووصولا إلى عملية البيان المصوص، كانت فاتحة الهزائم والانكسارات، التي صُبت على رأس الأمريكي وحلفائه وعملائه وأدواته، يُضاف إلى ذلك هزيمة وانحسار المشروع الصهيوأمريكي في العراق وسوريا، على يد أبطال الحشد الشعبي المغاوير، وأبطال الجيش العربي السوري الشرفاء، وكذلك إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشروع الهيمنة الإمبريالية الغربية في المنطقة عامة والعراق خاصة، على المستوى الدبلوماسي والعسكري واللوجستي.

عمد ترامب إلى صنع مارد القش الخليجي(سعودي الرأس، بحريني الجذع، إماراتي القدمين)، محاولاً صناعة بعبع على غراره، يخيف به الجوار، ويسلطه لنشر الفوضى والخراب والدمار والموت، على كل شعوب المنطقة، وخاصة شعوب محور المقاومة، حيث أصبح مارد القش هذا يتبنى سياسة الموت ومشاريع الدمار علناً، من خلال تسخير أموال النفط وثروات شعوب الخليج، في خدمة المشروع الصهيوني أولاً، والمشاريع الاستعمارية الغربية ثانياً.

إن قراءة مستجدات الأوضاع ومتغيراتها في مستوياتها الثلاثة( محلياً وإقليمياً ودولياً)، يرسم بكل وضوح – صورة سقوط الإمبريالية، وتهاوي مشاريع الهيمنة والاستبداد في المنطقة العربية، ويرسم في الجانب المقابل صورة الحرية ومسيرة النور الإلهي، الذي يزداد توهجاً وتألقاً يوماً بعد يوم، بانتصارات رجال محور المقاومة، واتحادهم على الوقوف في وجه العدو المشترك – أمريكا وإسرائيل – وتبنيهم قضية القدس، قضية مركزية ومبدأ أساساً في معادلة الحرب المصيرية الكبرى والمواجهة الحاسمة.

لا يعدو الإعلان عن صفقة القرن للمرة الثالثة، كونه محاولة للخروج بماء الوجه، من هزيمة ساحقة، أصبحت قدراً لغطرسة الإمبريالية، والتعالي الترامبي، وضجيجاً إعلامياً يوهم بانتصار ترامب، واحتفاظ أمريكا بقوتها وقدرتها على القول والفعل، ومناسبة إعلامية في مهرجان السقوط الإمبريالي الكبير، يطل ترامب في مشهده الأخير، مستعطفاً اللوبي الصهيوني، ومتمنناً على اليهود الصهاينة، ما قدم لهم، واحتراقه في مذبح مصالحهم، من أجل الفوز بفترة رئاسية ثانية، ربما تكون بمثابة الفرصة الأخيرة لترامب، في حال تم منحه إياها، وهو احتمال ضعيف جداً، لأن ترامب وصل إلى مرحلة الإفلاس، ولم يعد لديه ما يقدمه للمشروع الصهيوني، علاوة على كونه لم يجن من موقعه السيادي في المنطقة غير الخسائر، كما أنه قد احترق سياسياً وعسكرياً وخسر كل بيادقه، بعد أن أحرق عملائه بيديه، ولم يتبق في جعبته غير مارد القش الخليجي، الذي يجلبه ترامب كدمية الأراجوز، في كل مرة يعلن فيها عن صفقة القرن، الأمر الذي يجعلنا نتساءل:-

إذا كانت أمريكا هي الدولة العظمى – كما يُقال – ولها الحق المطلق في قول وفعل ما تشاء، فماذا يعني حرصها على إظهار مارد القش الخليجي في كل مناسبة خيانية، وماذا يمثل حضور العاجز عن حماية نفسه، إلى جوار القوة العظمى، التي تزعم حماية العالم ؟!

هل الإعلان عن صفقة القرن، بحضور ثلاثي العجز والانبطاح الخليجي، سيضفي مشروعية لتلك الصفقة؟!

ماذا يعني خروج أمريكا من معادلة الصراع مع القوى الكبرى، وانغماسها في محاربة الشعوب المستضعفة وجهاً لوجه؟!

من المؤكد أن الهيمنة الأمريكية تعيش لحظات احتظارها الأخيرة، بعد غرق ترامب في مستنقعات الإجرام، وطوفان البحر المسجور في اليمن، وإعصار سليماني والمهندس في العراق وإيران وسوريا ولبنان، ولا تعدو المسألة كونها مسألة وقت لا غير، ليبقى دب القش الخليجي في واجهة المشهد السياسي والعسكري، ولن يتحرج من إعلان نفسة خليفة القاتل الأمريكي، والراعي للصهيونية من بعده، ترى هل سيقف الأمر عند هذا الحد، أم أن مارد القش سيصدق نكتة قوته وعظمته وجبروته، ويسعى لخوض معركة المصير الأخيرة ضد محور المقاومة بمفرده؟!

…….

الآراء الواردة بالمقالة تعبر عن رأي الكاتب والجريدة لا تتحمل أدنى مسؤولية عنها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى