جميعنا أسرى في مصحة رامز جلال
شوقية عروق منصور | الناصرة – فلسطين
“من كان منكم بعقل فليبدأ ويرميه بحجر” عذراً من السيد المسيح عليه السلام الذي صرخ بوجه الذين أرادوا رجم المرأة ، لكن نستعير اليوم مقولته – ننزع بلا خطيئة – كي نفتح الأبواب ونغادر العقل الذي لم نعد نملك مفاتيحه، واذا كان الفنان والمذيع المصري الشاب ” رامز جلال ” يحاول الخروج عن المألوف في شهر رمضان ويقف على حبال السيرك حاملاً كاميراته الخفية مسجلاً الخوف والرعب الذي يتملك ضيوفه، الذين غالباً ما يبكون وتتمزق ثيابهم وتشق صرخاتهم الفضاء وحين يكتشفون أنهم سقطوا في بئر المقلب، إما تكون الشتائم أو العناق والاحتضان وقبض المال .
بصراحة أنا لا أحب مقالب ” رامز جلال ” وأحضر حلقاته رغماً عن أنفي حيث أجد أولادي في حالة تلهف لرؤية الضيوف التمتع بصراخهم و خوفهم و بهدلتهم ، كأن أولادي – وباقي المشاهدين – ينتقمون من هؤلاء الذين يعيشون وسط الاعلام المزيف وفي برامج ” رامز جلال ” يظهرون على حقيقتهم، حيث نرى الوجوه الملطخة البعيدة عن المكياج والعبارات السوقية و التصرفات غير الأخلاقية، وفي النهاية هم بشر من حقهم أن يتصرفوا ويسلكوا السلوك النابع من الموقف الذي يقعون فيه .
بين برنامج رمضاني وآخر نجد أن مقالب الكاميرا الخفية تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام والتشويق كأن الناس أصيبت بالملل من الأقنعة وأصبحت تسليتها تعرية الآخر من أخلاقه وسلوكه وتريد أن تتعرف عليه زمن غياب المكياج والقناع الملون وأغاني الانتصارات والرقص في شوارع المهرجانات والجوائز ، ففي مقالب الكاميرا الخفية التحديق في أعماق الشخص والكشف عن اكذوبة القناع وتسليط الأضواء على حقيقة البطاقات الشخصية، بعد طرد عباءة التخفي .
هناك من شتمه وهناك من قال كتب عنه ” المجنون رامز جلال ” وبرنامجه الجديد ” عقله طار ” حسب ما بشرتنا وسائل الاعلام ، والذي سيعرض في شهر رمضان المبارك ، يحمل فكرة جديدة تشير إلى المرض النفسي ، وهنا نتساءل من منا لم يطر عقله ؟ من منا يعيش بعقل في زمن يدفعنا دفعاً إلى طرق أبواب العيادات النفسية !! هل ما نراه ونسمعه ونعيشه لا يؤدي إلى المرض النفسي؟ من وجه ” ترامب ” الغائب إلى وجه خليفته ” بايدن ” الحاضر إلى وجه ” نتياهو ” وشلة الأنس من الأحزاب اليهودية اليمنية والصهيونية التي طفت على السطح وترقص على الجسد الفلسطيني المثخن بالخيانات والتنازلات والمفاوضات العبثية، إلى الحواجز التي أصبحت مصيدة للقتل العمد ومآسي الأسرى الذين ذابت سنوات أعمارهم على قضبان الانتظار، وإقامة المستوطنات التي تتناسل كالفطر السام والحرب على سوريا واليمن والعراق والطعنات التي تأتي بشكل سلام يخلع عباءات العروبة ويرتدي جينز التصالح والانبطاح، ويداعبون أخمص القدم الإسرائيلية وينصتون إلى ضحكات شرايين قادتها .
وعلى جسر التنهدات نقف وننظر إلى الماضي بحسرة ، لا يوجد شعوب عبر التاريخ تتحسس الماضي وتراه أفضل وأحسن من حاضرها مثل الشعوب العربية، التي أصبحت تلتصق وتحتمي بالماضي خوفاً من الحاضر الذي كشر عن أنيابه وأصبح المستقبل مدفوناً في قعر المحيط الهارب أو في غياهب السجون أو في البطالة المستلقية على الأرصفة أو في الجوع الذي يحفر خنادق الموت يومياً.
جميعنا هجرنا الحاضر وأقمنا في خيام الماضي، ونعترف جميعنا مرضى نفسيين وجميعنا في برنامج رامز جلال ” عقله طار ” ومن كان منكم بعقل فليبدأ ويرميه بحجر الواقع ” .