يسألونني عن العُرْف فأقول
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
العُرْف مصطلح اجتماعي يحيل إلى مفهوم قارّ في عمق الضمير الجمعي لشعب من الشعوب؛ وهو غير العرف الوارد في القرآن في قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ (الأعراف/199) فذاك هو “المعروف” المقابل للمنكر.
والعُرف عظيم الأهمية لربط النسيج المجتمعي. يمكن القول إنه قريب من مفهوم “الأصول” عند المصريين، حين يقولون: “الأصول كده”.
والعُرْف قرار صامت بارد حاد مثل سيف مُشرع لا يُغْمَد، ونافذ لا ينحني، في كل الجماعات البشرية، الراقي منها والمنحط.
والعُرْف ـ أيها السادة ـ هو ما نشعر أنه قانون داخلي فينا، يفرض نفسه علينا في المواقف الكبرى، فيقرر لنا ما ينبغي وما يمنع، وما هو واقع في مجال المقبول.
ولا شك أن للدين حضوراً قوياً، في ضمائر الأفراد، لكن الواقع الدنيوي ظل ينبئ بأن حضور العرف ظل دائماً ـ حتى في الأوساط المتدينة ـ أقوى، باعتباره القانونَ الصامت الرهيب، الذي لا يتناقش في حضوره اثنان، حتى لو اختلفا في عدالته، ويقضي ـ مثلاً ـ بأن الحرة لا تزني وإن ماتت جوعاً.
إن هذا المنطوق ليس والعُرْف، لكنه تجلٍّ فريد لقوته، تلك القوة التي أنطقت هند بنت عتبة، حين أخذ عليها مع النساء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ البيعةَ التي من ضمن بنودها “ألا يزنين” فهتفت جزعة ملهوفة تقول:
ــ أو تزني الحرة يا رسول الله؟
إن الدين قد يبيح لمكرهة أن تزني، لكن العُرْف لا يسمح. والحرة تطيع العُرْف وتخشاه، فإن وُجدت من لا تطيع العُرْف، لم يعتبرها المجتمع سيدة. لذلك تراها إذا ما اغتُصبت ـ على سبيل المثال ـ خشيت العقوبة الصامتة للناس، مع أنها لا تخشى الله في هذا الأمر، لأنها تعلم أنه لا يعاقب مُكْرَهاً.
قلت هذا مثالا أن يعترض بادي رأي فيقول: كيف تقول إن العُرْف في ضمير الناس أقوى من الدين؟
ذلك حكم الواقع، وحكم الواقع هو حق القوة، قوة الأرض، بخلاف حكم الدين الذي هو حكم السماء.
من هنا تتأتى خطورة فعل بضعة أنفار، يقدمون أنفسهم باعتبارهم أهل العُرْف فيما هم من شُذّاذ الآفاق، قدمتهم أحزاب خرقاء، فتصرفوا بنزق أحمق فخالفوا العُرْف، فتشكك الناس في وجود العُرْف، وكان حقه أن يتشكك في وجود هذه الأحزاب الملعونة وما أنتجت.
إن العُرْف موجود حتى مع إساءات هؤلاء، لأنه هو ذاته ما يُدينهم.