أثيوبيا.. الإهانة والتهديد
د. أحمد رفيق عوض | رام الله – فلسطين
تمعن إثيوبيا في غيها وطغيانها، فهي تراوغ مصر والسودان وتخادعهما في محادثات لم تسفر عن شيء حتى الآن، فيما تستعد الآن للملء الثاني لسد النهضة دون اتفاق ودون مراعاة لمصالح الدولتين العربيتين أو لمطالبهما في التقاسم أو التشارك أو حتى التشاور المثمر.
موقف أثيوبيا المتعنت والرافض للوساطة أو للتحكيم يدل على أنها واثقة مما تفعل ومما هي مقبلة عليه، وتبدو وكأنها ضمنت موافقات أطراف دولية وإقليمية، وتبدو وكأنها تقوم بدور مرسوم أو وظيفة استراتيجية.
وبالعودة سريعاً إلى تاريخ العلاقة بين أثيوبيا ومصر فيما يتعلق بتقاسم مياه نهر النيل، فإن المفاوضات حول ذلك استمرت على مدى قرن كامل أو يزيد، وقد استطاعت مصر بالذات أن تحفظ حقها في المياه إلى أن تغيرت الأوضاع في كل من أثيوبيا ومصر بعد سبعينيات القرن الماضي.
فالصراع العربي الإسرائيلي وانعكاساته العالمية لم يوفر نهر النيل من تحمل تبعات ذلك. تناقصت حصة مصر من نهر النيل مرتين أما هذه المرة، فإن أثيوبيا مقبلة على ما يشبه جريمة حرب حقيقية، إذ أن ملء السد الأثيوبي دون معرفة وموافقة السودان ومصر يعني اعلان حرب عليهما. فلا أحد يماري في حيوية تدفق النهر في أراضي البلدين على كل المستويات.
هناك كلام كثير قيل حول هذه القضية المتفجرة، كلام تناول أطرافاً إقليمية تساعد أثيوبيا وماتزال، وعن النية في حصار السودان ومصر ودفعهما إلى اتخاذ مواقف محددة ومعينة، وعن ابتزاز البلدين وإبقاءهما في تحالفات بعينها، وعن توازنات استراتيجية تتمثل في حماية البحر الأحمر وضمان أمنه لتدفق النفط والملاحة الدولية، وعن الوجود الإسرائيلي المتعاظم في القرن الإفريقي بالذات، وعن التمدد الإسرائيلي في القارة السوداء وتراجع النفوذ والوجود العربي.
وهناك كلام كثير قيل عن دور إثيوبيا المرسوم وإمكانية هيمنتها في المنطقة، ولهذا تسكت الصحافة الدولية عن أفعالها في إقليم تيغري.
وقد يقول قائل إن السودان ومصر لم تنتهزا الفرص المناسبة للرد المناسب، وأنهما ينتظران التدخل الدولي أو الوساطة القوية لفرض الحل، وانهما أصلاً لم تتفقا فيما بينهما على طريقة الحل مع أثيوبيا، وإنهما متنافرتان فيما بينهما على قضايا مختلفة، وإن هذا ما يجعل من إثيوبيا تستخف بهما معاً، وفي ذلك بعض صواب وبعض تهويل.
كائناً ما كان الأمر، فإن الأمر جلل، وينذر بمستقبل غير وردي على الإطلاق، وإذا استأثرت أثيوبيا بالنهر ومياهه وملأت السد كما تريد، فإن السودان ومصر ستواجهان أسئلة صعبة ومحرجة ليس من شعبيهما فقط بل من كل شعوب الأمة العربية.
ذلك أن حماية الأمن الغذائي والمائي العربي والدفاع عنه بكل الوسائل أفضل وأولى من كل تدخل في أية منطقة في العالم. كم أن الدفاع عن المصالح الحيوية للأمة وصيانة مستقبلها أفضل وأهم من أية اتفاقية إقليمية أو دولية، بكلمات أكثر وضوحاً ودقة، فإن ما تفعله أثيوبيا هو استباحة للأمن القومي العربي في وضح النهار، وأن الرد على ذلك لا يقف عند الحل العسكري على الاطلاق، بل استدارة كبرى في صنع التحالفات في المنطقة والعالم. الإهانة التي توجهها أثيوبيا إلى الأمة العربية هي نتيجة لكل تلك الخطوات المجانية والجنونية التي رأيناها مؤخراً.
واسأل من هنا، من الأرض المحتلة، لماذا ينشط العرب في حروب بينية لا تعود عليهم بخير أبداً؟ ولماذا يتجند العرب في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟! ولماذا نتقاعس جميعاً إذا كانت الإهانة بهذا الحجم وكان التهديد بهذا الوضوح؟
السؤال هو لماذا يتفنن العرب في ايذا بعضهم البعض والتآمر علي جيرانهم وحلفائهم ويتركون عدوهم الأساسي الذي يعرفونه جيد يرعي ويفسد كما يشاء في المنطقة