حيفـــا.. شجرة التوت اليونانية

د. حنا عيسى | رام الله – فلسطين

يطلق على مدينة حيفا لقب عروس البحر ، ويرى البعض أن اسم حيفا جاء من كلمة حفا بمعنى شاطئ).. مدينة حيفا هي مدينة كنعانية قديمة من مدن ما قبل التاريخ مقامة على جبل الكرمل وهي من أكبر وأهم مدن فلسطين التاريخية ، تقع اليوم في لواء حيفا الإسرائيلي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط ، وتبعد عن القدس حوالي 158 كم إلى الشمال الغربي.

الجغرافيا وعدد السكان

تعتبر حيفا ثالث اكبر مدينة فلسطينية بعد القدس وتل ابيب حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 300.000 نسمة ويشكل اليهود منهم الغالبية ، بينما يشكل العرب مسيحيون ومسلمون الأقلية بعد تهجير معظمهم في النكبة عام 1948. تضم 18 عشيرة و52 قرية ، دمر منها العديد من القرى لإقامة المستوطنات الإسرائيلية ، حيث أصبحت تضم 90 مستوطنة، وترتقع عن سطح البحربمعدل 450 م وهي نقطة التقاء البحر المتوسط بكل من السهل وجبل الكرمل، كما أن موقعها جعل منها ميناءً بحرياً من أهم الموانئ في فلسطين ، كما جعل منها بوابة للمنطقة عبر البحر المتوسط، وهي ذات أهمية تجارية وعسكرية طوال فترة تاريخها، ولهذا تعرضت إلى الأطماع الاستعمارية بدءاً من الغزو الصليبي وحتى تاريخ النكبة، وتعد الآن مقر سكة الحديد الإسرائيلية الرئيسية.

خلفية تاريخية

يعود زمن استيطان البشر بالمنطقة إلى عشرات الآلاف من السنين حيث عثر منقبون على بقايا هياكل بشرية تعود إلى العصر الحجري وآثار حضارات العصر الحجري القديم بمراحله الثلاث (نصف مليون سنة إلى 15 ألف سنة قبل الميلاد). ولقد تأسست حيفا في بادئ الأمر كقرية صغيرة في القرن الرابع عشر ق.م على يد الكنعانيين، فُتِحت المدينة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 633 م، ونتيجة لذلك بدأت القبائل العربية بالاستقرار في فلسطين، وعلى وجه الخصوص في مناطق الساحل الفلسطيني، وبقيت حيفا جزءاً من الدولة الإسلامية طيلة العهد الأموي والعباسي. إلا أن حيفا الحديثة، قد تأسست عام 1761 في مكان البلدة القديمة على يد القائد ظاهر العمر، والذي أسس إمارة شبه مستقلة عن العثمانيين في الجليل. وفي العهد العثماني، ازدهرت مدينة حيفا، وتأسس فيها أول مجلس بلدي عام 1873.

تتميز المدينة بكونها أحد أهم مركز الإشعاع الفكري في فلسطين التاريخية – خاصة قبل النكبة. في “بيت الكرمة” بوادي النسناس يتم في شهر ديسمبر من كل عام المهرجان الثقافي “عيد الأعياد” بمناسبة عيد الميلاد المسيحي وعيد حانوكا اليهودي، وكذلك عيد الفطر أو عيد الأضحى إذا وقع أحد منهما في الشتاء. تشهد انعقاد مهرجان “أسبوع الكتاب العربي” في موسم الصيف من كل عام. تعتبر حيفا اليوم مركزًا للدين البهائي، حيث تقام فيها مراسم الحج لأتباع هذه الديانة.

يُشار بالذكر إلى أن المدينة قد احتلتها المنظمات اليهودية في 21 نيسان / أبريل 1948، بعد عدة معارك ومجازر قامت بها بحق السكان العرب في المدينة وضواحيها، نتج عنها طرد جماعي لمعظم هؤلاء السكان من أحيائهم، واستبدال أسماء الشوارع والمناطق العربية مباشرة بالعبرية.

أصل التسمية

يطلق على مدينة حيفا لقب عروس البحر، ويرى البعض أن اسم حيفا جاء من كلمة حفا بمعنى شاطئ، وقد تكون مأخوذة من الحيفة بمعنى الناحية، ويرى البعض الآخر أن الأصل في الحيفة المظلة أو المحمية، وذلك لأن جبل الكرمل يحيط بها ويحميها ويظللها.

وقد وردت في الكتب القديمة باسم سكيمينوس، وسماها الصليبيون باسم كيفا وأحيانا سيكامنيون وتعنى باليونانية شجرة التوت، وربما يرجع ذلك إلى كثرة أشجار التوت في حيفا.

دعاها الصليبيون “حيفا ” أو “خيفاس” أو “خيفس”، وأطلق عليها هذا الاسم نسبة للكاهن الكبير “قيافا من عهد يسوع. وقد أسماها مؤرخ آخر “بورفيريا الجديدة” للتفريق بينها وبين “بورفيريا القديمة”، الواقعة على الشاطىء اللبناني. ومعنى الكلمة” بورفيريا” الأرجواني أو المحار واللؤلؤ الذي استخرجوه من حلزون البحر في هذه المنطقة. كما ورد ذكر المدينة في معجم البلدان لصاحبه “ياقوت الحموي، والذي ذكر أن أصل التسمية مأخوذ من “حيفاء”، وهي من الحيف بمعنى الجور والظلم.

وفي القرن الخامس هجري ذكرها الرحالة ” ناصر خسرو” وقال: “بها نخل وأشجار وعمال يعملون السفن البحرية المسماة “الجودي”. وأسماها الرحالة اليهودي “بنيامين الطليطي” “جات حيفر” وسمى سكانها “بالأدوميين”. وهناك ربان آخر أسماها “حيفو”. ويُنسَب إليها “إبراهيم بن محمد بن عبد الرازق الحيفيّ” من أهل “قصر حيفا”، من علماء الحديث. ومحمد بن عبد الله بن علي القيسراني القصري، نسبة إلى قصر حيفا. وفي أدب الرحالة من الفترة العثمانية، وُجدَ الاسم على عشرين صورة مختلفة تقريباً. وفي بداية القرن التاسع عشر زارها سفير النمسا فقال “إن العرب يسمونها حيفا.

على الرغم من تعدد مسميات مدينة “حيفا” وظهور اسمها بعدة أشكال ولغات، إلا أن التسمية الدارجة والمتعارف عليها هي التسمية العربية حيفا وهي التسمية التي داوم العرب على استعمالها، بلفظ واحد وثابت، والتي أطلقت على “حيفا الجديدة” التي بناها ظاهر العمر.

معالم المدينة

تتجزأ المدينة إلى ثلاث طبقات ارتفاع: البلدة التحتى (أو المدينة السفلى) وهي المركز التجاري والصناعي ، والتي تضم الميناء. والطبقة الوسطى ، التي تمتد على منحدر جبل الكرمل وتضم الأحياء السكنية الأقدم. والمدينة العليا، التي تضم الأحياء الجديدة المشرفة على عموم المدينة. يوجد موقع المؤتمر، أي أوديتوريوم حيفا و”مركز الكرمل” في هذا الجزء من مدينة حيفا. من هذا الارتفاع يمكن الإشراف باتجاه الشمال على كافة أنحاء الجليل الغربي حتى رأس الناقورة على الحدود اللبنانية. وكذلك يمكن توجيه النظر إلى الشمال الشرقي حيث يمكن أحياناً رؤية جبل الشيخ.

أما أهم المواقع السياحية في المدينة فهي:

المواقع البهائية

في حيفا، هناك 11 موقعا للبهائيين ، مرتبطة بمؤسس العقيدة البهائية ، بينها ضريح بهاء الله في عكا ، وضريح الباب في حيفا المحاط بحدائق جميلة على منحدر جبلي تجتذب الكثير من السياح. وفي عام 2008 أضيف معبد حيفا الواقع في تلك الحدائق إلى قائمة مواقع التراث العالمي التي تصدرها منظمة اليونيسكو. يُشار إلى أن اتباع الديانة البهائية يبلغ عددهم أكثر من 5 ملايين ينتشرون في أكثر من 190 دولة حول العالم.

مسجد الاستقلال

هو واحد من ثلاثة مساجد مفتوحة للصلاة في مدينة حيفا. وهو مسجد أثري يعود للحقبة العثمانية في فلسطين، يقع وسط المدينة، وقد شُيِّدَ أثناء الحكم العثماني. وهو يُعتبر من الآثار المعمارية الإسلامية والعربية القليلة في المدينة، بعد أن قامت إسرائيل بهدم معظم معالم المدينة القديمة. وهو على طراز عثماني. ارتبط اسم الجامع بالشيخ عز الدين القسام، حيث كان الناس يأتون إلى المسجد من القرى والمدن العربية لسماع دروس الشيخ ومواعظه.

كنيسة القديس يوحنا

تتبع الكنيسة الاسقفية بنيت في سنة 1934. وتقع بالقرب منها مدرسة مار يوحنا.

كنيسة القديس لويس المارونية

تُعرف أيضا بكنيسة مار لويس الملك. بنيت في سنة 1880 م زمن السلطان عبد الحميد، وفي عهد البابا ليون الثالث عشر والبطريرك الماروني بولس مسعد ومطران صور وصيدا بطرس البستاني، حيث كان أول راعي لرعية حيفا هو الأب بولس كسّأب.

دير الكرمل

تضم حيفا مجموعة من المعالم الدينية والتاريخية والسياحية، التي تشجع السياح على زيارة المدينة فقد بلغ عدد الكنائس في العقد الرابع في القرن الحالي ست كنائس، منها دير الكرمل.

جامعة حيفا

أقيمت جامعة حيفا عام 1963، على جبل الكرمل، بمبادرة من رئيس بلدية حيفا في ذلك الحين ” آفا حوشي”، وكانت المؤسسة الأكاديمية السادسة، والجامعة الرابعة في البلاد. تحتوي الجامعة على 6 كليات في المواضع المختلفة.

حي الألمانية

حي الألمانية أو مستوطنة الألمان. بدأ هذا الاستيطان 1868م، من قبل مجموعة عائلات ألمانية قادمة من جنوب غرب ألمانيا، وقد أقام هؤلاء مستوطنة لهم في القسم الغربي من المدينة، وأدى قدومهم إلى ظهور نهضة اقتصادية واجتماعية في حيفا. تكثر المطاعم اليوم في حي الألمانية ويعتبر مركز الحياة الليلية في حيفا.

متحف داغون

يقع في غرب ميناء حيفا. بُنيَ في سنة 1955 وصممه المعماري يوسف كلاريون، ويضم المتحف آثاراً تعود إلى العصور القديمة.

المتاحف

تحتوي حيفا عشرات المتاحف. المتحف الأكثر شعبية هو المتحف الوطني للعلوم والتكنولوجيا والفضاء يقع المتحف في مبنى التخنيون التاريخية في حي هدار. وهناك أيضا متحف حيفا لبيوت الفن، ويحتوي مجموعة من أعمال الفن الحديث والكلاسيكي، ويعرض تاريخ مدينة حيفا. ومتحف الفن الياباني  وهو المتحف الوحيد في منطقة الشرق الأوسط المخصص للفن الياباني حصراً. وهناك متاحف أخرى في حيفا تشمل متحف ما قبل التاريخ، والمتحف البحري الوطني، ومتحف مدينة حيفا، ومتحف هيشت، والمتحف الأثري داجون، ومتحف السكة الحديد، ومتحف البحرية… وغيرها.

ومن المعالم الحديثة في المدينة : بيت المحكمة الذي شيّد في عام 2004م، ومركز رامبام الطبي، ومركز شركة IBM.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى