منصة (إبداع) تحتفي بالعازف على الوتر الإنساني الشاعر عبد الرزاق الربيعي
عليّ جبّار عطيّة | بغداد
احتفت منصة إبداع في بغداد مدينة الإبداع الأدبي مساء الخميس ٢٠٢١/١١/١١ م بالشاعر والكاتب عبد الرزاق الربيعي في أول أُصبوحة حضورية للمنصة بعد جائحة كورونا.
وأدار الأصبوحة الدكتور سعد التميمي الذي قدم الربيعي على أنَّه من جيل الثمانينيات، وعرف بموسوعيته وقد كتب في الصحافة، والمسرح والطفولة فضلاً عن تميز صوته الشعري الذي لخص فيه قصة شعب كامل.
وأضاف التميمي: إنَّ عبد الرزاق الربيعي عاش معاناة الإنسان العراقي، وتمثلت البيئة العراقية في شعره بشكل كبير، كما عرف بغزارة إنتاجه فقدم ما يقارب تسعة عشر ديواناً جمعت في المجموعة الشعرية الكاملة التي صدرت بثلاثة مجلدات عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، و نستثمر تواجده في المربد الشعري لنحتفي به على منصة إبداع.
وابتدأ الربيعي الأصبوحة بقراءة قصيدته (حواف الطفولة)، وعلَّق قائلاً : لقد بدأت من شعر الطفولة، ونحنُ لم ننقطع عن الطفولة فهي ممتدة معنا، وهي واحدة من أسباب مقاومتي لكل الزلازل والنكبات، ومنها نستثمر ونستمد الشعر والجمال، والنظرة الحالمة للوجود، والطفولة لم تنتهِ، وإنَّما تحولت إلى مادة مبثوثة في ثنايا القصيدة، وما زلتُ أكتب لمسرح الطفل، وقد قُدمت لي مؤخراً مسرحية (حلاق الأشجار) في قطر.
وعن التوزع بين الشعر والطفولة قال الربيعي: هو ليس توزعاً، وإنَّما هو تعدد أنشطة، فالشعر مساحته محدودة في التواصل مع الجمهور مع أنَّ الخطاب الشعري يخترق الزمن، وهذا يجعلنا لا نبتئس فربما يجد هذا الخطاب صدىً، ونحنُ نبحث عن قنوات للتواصل مع الجمهور الأوسع، والمسرح يوصل الكلمات إلى مديات أبعد، وحين قدم المخرج الراحل كريم جثير مسرحيتي (كأسك يا سقراط) في اليمن سألني الدكتور عبد العزيز المقالح: لماذا لجأتَ إلى المسرح؟ فأجبتُ :لأنَّ لغة الشعر لا تتحمل التفاصيل التي إذا تسربت إلى القصيدة تقتلها؛ ففي القصيدة لغة الإشارة، وحين اتجهتُ إلى المسرح والمقال فلكي يظل صوتي الشعري نقياً، والمسرح الشعري هو أصعب أنواع المسرح، والأصعب منه هو أن تجد فرقةً تجسده، وجمهوراً يتقبله، ومع هذا فمسرحية (كأسك يا سقراط) قُدمت أربعين مرةً منذ سنة ٢٠١٧م، وأنا لا أختار القصيدة المسرحية بل هي التي تفرض شكلها، وهي كالجنين في الرحم، ثمَّ تلح لكي تظهر .
وعن أثر المرأة في شعره قال: إنَّ المرأة مساحتها كبيرة في القصيدة، بل هي المظلة التي تستظل بها القصيدة، فالنساء هنَّ ربات الإلهام،ويسميهنَّ البياتي ربات الأقدار، وقد جمعتُ قصائد الحب في مجموعة شعرية بعنوان (في الثناء على ضحكتها) أصدرتها بعد مجموعة (طيور سبايكر) ،لكني لا أدعي أنني شاعر غزل.
وأضاف: إنَّ الوسط الثقافي ذكوري، لذا فأنا داعم للمرأة لأنَّها تواجه صعوبات كثيرة، وقد كتبت مقدمات لعددٍ من الشاعرات صرن فيما بعد أسماء معروفة.
وبشأن عناوين مجموعاته الشعرية قال : لقد احتفيت ببلوغي سن الستين بالمجموعة الشعرية (شياطين طفل الستين) ففي هذا العنوان ثلاثة محاور: الطفولة والشعر (الشياطين) والزمن (الستين)، كذلك ديواني (قليلاً من كثير عزة) كتبته عن زوجتي الراحلة عزة الحارثي رحمها الله، أما ديواني (ليل الأرمل) فقد كتبته عن حالي بعد فقدان زوجتي، وكنتُ قد أصدرت قبله ديوان (نهارات بلا تجاعيد)، فالعناوين هي عتبات مهمة.
وعن ميله إلى القصائد الطويلة ضرب مثلاً بقصيدة (أصابع فاطمة) التي بقي في أجوائها اثني عشر يوماً، وأثقلته، ووصف النص بأنه نص وعر استثمر فيها الحكايات والموروثات الشعبية، وفوجىء بتفاعل المتلقين معها مع وجود مشاهد قد لا يعرفها القارىء مثل صورة للإمام علي بسيفه ذي الفقار وهي معلقة على الحائط، وظل مشهدها في رأسه ٥٥ سنة حتى وجد نفسه غارقاً في بحر النص.
وقال: بالتجربة والمران والسنوات الطويلة في الكتابة تتضح ملامح القصيدة التي تقاوم الزمن، تلك التي تطرح الأسئلة التي تهم الإنسان مثل ملحمة كلكامش.
أنا أربط القصيدة بجذرها الإنساني المشترك، ولا أتوقف عند شرارة القصيدة والحدث، ولقد عزفت على الوتر الانساني.
وعن الدراما في قصيدة الربيعي قال: لقد كانت الدراما ملمحاً بارزاً في قصائدي، وقد درست ذلك الدكتورة هند جاسم يوسف العبيدي في رسالتها للماجستير المعنونة (البناء الدرامي في شعر عبد الرزاق الربيعي) في جامعة الموصل، ويظهر ذلك واضحاً في قصائدي ومنها قصيدة (دروب التبانة) المبنية على أغنية في السبعينيات لمائدة نزهت كتبها الشاعر أبو سرحان، ولحنها كوكب حمزة ومطلعها (هم ثلاثة للمدارس يروحون)، كذلك في قصيدة (مرثية متأخرة للوركا) التي مزجتُ فيها بين ثلاثة أشخاص لاقوا مصيراً فاجعاً هم: الشاعر الإسباني لوركا، وشقيق المخرج جواد الأسدي الذي قتل، وهو يسوق ساحنةً سنوات العنف الطائفي، وشقيقي الشهيد عبد الستار الربيعي الذي أُعدم في سجون الدكتاتور .
وعقب الدكتور عقيل مهدي بالقول: في شعر عبد الرزاق الربيعي جذر درامي وعنده دفق داخلي، ودراماتيكية وثمة حدث وعلاقة بالحبكة، والملحمة موجودةوكذلك الأسطورة والحكاية الشعبية، وجذره الإنساني متدفق بجماله ودفئه .
وتحدث الشاعر جواد الحطاب عن معرفته بالربيعي التي تمتد لأكثر من أربعين سنة حتى كونوا جمعية (الأخوة جعفر) المتكونة من الشعراء جواد الحطاب، وعدنان الصائغ، فضل خلف جبر، وعبد الرزاق الربيعي، نتداول فيه أي نص ونشبعه بملاحظاتنا، ومازلنا على هذه الوتيرة وخلاصة تجربتي مع عبد الرزاق الربيعي أنَّه أكثر الجميع تدفقاً بالشعر، و اصطياد الجو الشعري، والفكرة الشعرية، والعمل الدؤوب عليها وأكثرهم براءةً.
وأضاف: أنا أخاف من القصيدة لكنَّ عبد الرزاق الربيعي يصطادها فكما هو في الحياة، هو في
هو في الشعر، هو متدفق بالحديث، وبالنكتة والخصومات ويستثمرها في الشعر، فكل المرئيات أمام عبد الرزاق الربيعي قصائد متحركة، وهي قصائد تصلح أن تكتب وتدون فالكلمة هي حياة عبد الرزاق، بل هو أضاف لها الشيء الكثير.
كما شارك في المدخلات عددٌ من الحاضرين منهم الشاعر جليل صبيح، والدكتورة سجال الركابي، والكاتب عادل العرداوي، والكاتب عليّ جبّار عطيّة.
وفي نهاية الأصبوحة قدم المدير التنفيذي لمنصة إبداع الدكتور صادق رحمة درع الإبداع هديةً إلى الشاعر المحتفى به.