تغيير الجنس بين القانون والشرع وبين المنع والإباحة
خالد طه يعقوب | محامٍ مصرى
Austrian painter (Johann Hamza) 1850-1927
المقصود بمصطلح «تغيير الجنس» هو خضوع الفرد لعملية جراحية يترتب عليها تغيير أو تحويل جنسه من ذكر إلى أنثى أوالعكس. ويجب التفرقة بين التحويل الجنسي والتعديل الجنسي إذ أن الأول هو أمر مرفوض شرعاً وعرفاً وهو ما يقوم به بعض الاشخاص الذين يعانون من مرض نفسي وهو عدم رضاءهم عن نوعهم فتتحول الانثي الي ذكر مثلاً أو العكس .
أما الثاني وهو التعديل الجنسي فهو ضرورة طبية تعززه رؤية شرعية واتجاهات علمية أيضاً وهو ما يظهر في حالة الخنثي مثلاً
ويتبادر الي الذهن الواقعة التي شهدها المجتمع المصري في سنة 1988م، والمتعلقة بالشاب «سيد» الذي كان آنذاك طالباً في كلية الطب بجامعة الأزهر، وخضع لعملية تحويل جنس من ذكر إلى أنثى، بناء على التقارير الطبية التي تؤكد أن نسبة هرمون الأنوثة أكبر كثيراً من هرمونات الذكورة، والتي لا تتعدى نسبتها لديه ستة في المائة. وبناء على ذلك، قام طالب الطب «سيد» بتغيير اسمه إلى «سالي». ولكن، جامعة الأزهر أصدرت قرارها بفصله، رافضة تحويله إلى كلية الطب بنات.
بل إن الجامعة قدمت آنذاك بلاغاً إلى النائب العام، طالبة التحقيق مع الطبيب الذي أجرى العملية الجراحية للطالب «سيد». وبعد التحقيق في الواقعة، وفي سنة 1989م، أصدرت النيابة العامة أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى. أما محكمة القضاء الإداري، فقد أيدت قرار الجامعة بفصل الطالب «سيد». ولكن، وبعد ثمانية عشر عاماً على حدوث العملية الجراحية، وفي سنة 2006م، قضت المحكمة الإدارية العليا بأحقية «سالي» في استكمال دراستها بكلية طب البنات بجامعة الأزهر، وألغت بذلك حكم محكمة القضاء الإداري بتأييد قرار الجامعة بفصلها وعدم تحويلها للدراسة بكلية طب البنات في الجامعة.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على واقعة الطالب «سيد»، فإن المشرع المصري لم يتدخل لتنظيم الموضوع، سواء بالحظر المطلق أو بالإباحة المشروطة والمقيدة أو بالإباحة غير المشروطة..
من ناحية أخرى، وفي الفتوى الصادرة عنه والمنشورة على الموقع الالكتروني له، أفتى فضيلة مفتي الديار المصرية السابق بعدم جواز إجراء العملية الجراحية التي تسمى «تحويل الجنس أو تغييره أو تصحيحه» إلا في حالة الخنثى الذي اجتمعت فيه أعضاء جسدية تخص الذكور والإناث (كآلة التناسل مثلا)، كما يتضح أنه لا يجوز شرعا الاعتماد في تحديد هوية (الخنثى المشكل) الجنسية على سلوكه وميوله إلا في حالتين: الأولى: عند العجز عن التحديد بناء على العلامات المادية المذكورة، والثانية: إذا لم يكن له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأي الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلي بأن روحه تنتمي إلى الجنس الآخر. وفي بيان الأسانيد والحجج الشرعية لهذه الفتوى، أورد ما يلي:
أولاً: الإنسان لا يملك جسده ملكا حقيقيا ولا يجوز له بالتالي التصرف في أعضاء جسده
حقيقة الإنسان أنه كائن فقير وضعيف، فهو في حاجة دائمة إلى أن يستمد وجوده ومقومات حياته من خالقه الذي أوجده في هذه الدنيا، وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار حقيقة الإنسان وحقيقة ما يملكه قائلا: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ} [يونس: 49]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ 15 إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ 16 وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ } [فاطر: 15 – 17]، وقد يتوهم الإنسان لنفسه ملكية حقيقية يدعيها جاهلاً مفتوناً على خلاف واقع الأمر كما قال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 49]، وروى الترمذي في سننه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ». وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
وفي حكمها الصادر بتاريخ الرابع والعشرين من يناير 2016م، قضت محكمة القضاء الإداري الدائرة الثانية برفض الدعوى المقدمة من المدعية بتمكينها من تغيير اسمها ونوعها بقيودات الأحوال المدنية. وتتلخص واقعات الدعوى – حسبما هو وارد في صحيفتها – في أن المدعية ولدت في الثلاثين من أكتوبر سنة 1982م، بصفتها أنثى، إلا أنها عانت من اضطرابات الهوية الجنسية (التحول الجنسي)، الأمر الذي حدا بها إلى عرض نفسها على نقابة أطباء مصر، وبعد إجراء التحاليل والفحوصات الطبية، قررت اللجنة المختصة بالنقابة بتاريخ الثاني والعشرين من نوفمبر 2012م الموافقة على تصحيح جنسها من أنثى إلى ذكر. وبتاريخ التاسع والعشرين من أكتوبر 2013م، تم إجراء عملية تصحيح الجنس من أنثى إلى ذكر في مركز الدقي التخصصي.
وعلى أثر ذلك، تقدمت بطلب تصحيح وتغيير قيد لمصلحة الأحوال المدنية، وذلك لتحويل نوعها من أنثى إلى ذكر، واسمها من «نوران….» إلى «أيدين….»، بغية استخراج بطاقة رقم قومي لها على هذا النحو، إلا أن جهة الإدارة امتنعت برغم حدوث حالات مماثلة. ونعت المدعية على قرار جهة الإدارة المطعون فيه مخالفته للدستور والقانون، فضلاً عن بقائها تحمل بطاقة شخصية تحوي بيانات مخالفة للواقع والحقيقة يضر بها أشد الضرر، حيث يترتب على ذلك حرمانها من حق الزواج، وكذا الحق في العمل، وكذا التنقل والسفر والإقامة لعدم تطابق اسمها الموجود ببطاقتها الشخصية مع اسمها الحقيقي بما يتوافر معه ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، الأمر الذي حدا بها إلى إقامة الدعوى الماثلة بغية الحكم لها بطلباتها سالفة البيان.
وقد تداول نظر الدعوى بجلسات التحضير أمام هيئة مفوضي الدولة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وقد أودعت هيئة المفوضين تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الدعوى ارتأت للأسباب الواردة به الحكم أصلياً تمهيدياً وقبل الفصل في موضوع الدعوى بإحالة الدعوى إلى مصلحة الطب الشرعي بوزارة العدل ليندب بدوره لجنة ثلاثية من خبرائه المتخصصين في الموضوع لمباشرة المأمورية الواردة بالأسباب، واحتياطياً: بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من أثار.
وتدوولت الدعوى بجلسات المرافعة أمام محكمة أول درجة، على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة الرابع والعشرين من يناير 2016م، أصدرت المحكمة حكمها برفض الدعوى. وقد شيدت المحكمة قضاءها – بأن الثابت من مطالعة تقرير الإدارة المركزية للمعامل الطبية الشرعية بمصلحة الطب الشرعي المؤرخ 9/2/2014 المرفق بتقرير مصلحة الطب الشرعي المقدم ضمن حافظة مستندات جهة الإدارة بجلسة المرافعة المنعقدة بتاريخ 1/2/2015 أنه قد أثبت نتيجة التحليلي المعملي للبصمة الوراثية للحمض النووي المستخلص من عينة دماء المدعية وانتهى إلى أن “البصمة الوراثية لاثني تحمل الكروموسوم (XX)، وبالتالي فإن الثابت بيقين أن المدعية كانت تعاني من حالة اضطراب الهوية الجنسية وهي في الأساس حالة من حالات المرض النفسي، وهو ما أكد عليه الأستاذ الدكتور/ طارق احمد عكاشة أستاذ الطب النفسي في تقريره المؤرخ 18/6/2007 والمشار إليه في تقرير مصلحة الطب الشرعي سالف الذكر، ومن ثم فإن سبق ذكر جميعاً يقطع بأن المدعية هي في حقيقة خلقها أنثى مكتملة الأنوثة من ناحية الأعضاء الداخلية والخارجية، وأنه وإن تم استئصال الثديين وزرع جزء مشكل على هيئة قضيب بطول 9 سم وعرض حوالي 2 سم بموضع النظر فقد كان ذلك دون إمكانية وجود خصيتين والمسئوليتين عن الإنجاب عند الرجال، وفي المقابل تم الاحتفاظ للمدعية بفتحة البول في الوضع الأنثوي والشفران الغليظان الدقيتان موجودان وأيضا فتحة المهبل موجودة، وبالتالي فإن ما تم في حقيقة الواقع من عملية جراحية للمدعية لم تكن علاجاً من مرض عضوي يقتضي تصحيح الجنس، وإنما كان لمعالجة المدعية مما تشعر به من ألم نفسي وليد إحساسها بالانتماء إلى جنس الذكر، وهي حالة نفسية كانت تقتضي العلاج النفسي دون إجراء عملية تغيير الجنس التي تعد في تلك الحالة من قبيل التلاعب بخلقة الله المنهي عنه في الشريعة الإسلامية، والذي لا سبيل للمحكمة إلا الاحتكام إليها في ظل خلو التشريعات القائمة من تنظيم لعمليات تصحيح وتغيير الجنس، وذلك تطبيقاً مباشراً لنصوص أحكام الدستور التي اعتبرت مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، ولا يحاج على ذلك بالادعاء بالحرية الشخصية للفرد في أن يحقق ما يراه نافعا له، فتلك الحرية مقيدة بعدم الأضرار بالآخرين ولا ريب في أن تغيير الشخص لجنسه على خلاف حقيقة خلق الله له إنما يؤدي إلى آثار خطيرة في الزواج والطلاق والميراث وهي أضرار يتعدى أثرها إلى غيره، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه برفض طلب المدعية تغيير جنسها من أنثى إلى ذكر واسمها من «نوران …» إلى «ايدين ….» قد جاء قائماً على صحيح حكم القانون، وهو ما تقضي معه المحكمة برفض الدعوى.
وإزاء خلو الوضع القانوني الراهن في مصر من وجود تنظيم قانوني لعمليات تغيير الجنس، نهيب بمجلس النواب إصدار قانون ينظم التحول الجنسي. علي ان يكون ذلك وفقاً لضوابط شرعية وعلمية .