الثقافة
د. خضر محجز | فلسطين
الثقافة ـ أقصد الثقافة العليا، أو التعلم الدائم المتجدد، الذي ينتج المفكرين الذين يلبون حاجة المجتمع، في سعيه نحو التطور الحي ـ هذه الثقافة ليست موضوعاً ممكناً للجميع.
إنها ليست شهادة البكالوريوس أو الدكتوراه، التي صار كل من بلغ السن القانونية يحصل عليها بدفع الرسوم.
الثقافة فعل الندرة من الخلق، فعل يتخلّق في وعي قلة من الناس، عقولهم أرض خصبة تتلقى الماء، فينزل على البذر فيها فينبت.
كل محاولة لجعل الثقافة فعلاً شعبياً تبوء بالفشل حتماً
قد قيل إن “زبيدة بنت جعفر” سليلة الهاشميين، وزوجة الخليفة، حاولت أن تصنع من ابنها “محمد بن هارون” شيئاً صالحاً للفكر، يتفوق على ابن الجارية “المأمون” فسمته “الأمين”.
ثم أتت له بالمؤدب المعلم أبي نواس، الذي كان في ذات الوقت مؤدباً لأخيه المأمون.
وبعد شهور من محاولات التعليم سألت زبيدةُ أبا نواس إن كان ابنها قد أحسن تعلم النحو، فقال:
أقسم بالمُبْتَسَمِ العذبِ
ومُشْتِكَىٰ الصَّبِّ إلى الصَّبِّ
لو أخذ النحو عن الرِّبِّ
ما زادَهُ إلا عمى القلبِ
قد قيل إنها حكاية منحولة، اختلقها الشعوبيون الفرس، دعاية لابن الفارسية المأمون. ولا يبعد ذلك. ولكن العبرة في أن العلم لا بد له من أرض خصبة.
والحق أقول لكم، أنه يؤلمني أن يظن الخريج أنه قد تعلم، لأنه إن ظن ذلك فقد تأبّدَ جهله، ونال حصانة من كل تعلّم، خصوصاً إذا تلقى علمه على أيدي دكاترة عينهم الطلاب.