الشاعرة الليبية أُمَيْلَة النيهوم: اتسعت تطلّعاتِ قلمي ليهزّ جذع اللغة فيتساقط قصيد الروح
حاورتها: ريم العبدلي | ليبيا
أُمَيْلَة النيهوم شاعرة وساردة ليبية درست الأدب الإنجليزي، ومتفرغة للكتابة والتربية، ولها نصوص موغلة في بحر اللغة، تمزج بين السرد والشعر وتضفّر قصائدها في نسيج إنساني مثير وجذاب.. ولنتعرَّف عليها أكثر كان لنا معها هذا الحوار…
في ضوء ما تشهده بلادنا العربية من أحداث أين وصلت فكرة تقبّل الآخر في الأدب العربي؟
يؤسفني ويحزنني كثيرا ما شهدته بلادنا العربية من أحداث مؤلمة وحروب وتطرف إعلامي وهنا يبرز دور الأدب بمختلف أصنافه في أن ينثر الجمال والمحبة ويجمع القلوب ويُرسّخ فكرة تقبّل الرأي الآخر ويُنهي التشظي بخطاب معتدل عميق شفاف يُعيد للحرف مجدهُ وللأدب مكانته الرفيعة.
هل قصّر الأدب في إرسال قيم التسامح والمحبة بين أبناء الوطن الواحد؟
للأسف التقصير واضحٌ شديد التأثير ولكنه ليس من الأدب في حد ذاته بل من قنوات التواصل الاعلامية التي تبنّت نهجا أُحاديا وتوجهات محصورة في مسار منغلق على ذاته لا يجد الرأي الآخر له مكانا فيه، وقلة المطبوعات من صحف ومجلات التي تُتيح للأدباء الكتابة بحرية ونشر القيم الرفيعة من خلال خطاب المودّة والتسامح والتعاضد لبناء الوطن وتقدّمه.
لمن تكتب الشاعرة أميلة؟
بدأتُ الكتابة في سِنّ صغيرة جدا تعلّمتُ حُبّ الحرف والقلم من أبي ، وكنتُ أكتبُ له حيث يُعطيني كلمة أو بيتا ويطلب مني إكماله وعادة تكون بيتين أو رباعية، ويكافئُني بمنحي كتابا قيّما من مكتبته: رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية أو كتاب نحو أو نقد أدبي أو علوم شرعية أو موسوعة علمية لأكوَّنَ مكتبتي الخاصة، كان رحمه الله يقول لي اقرئي كل أنواع الكتب وحسّني لغتكِ وطوِّري فكركِ ومدارككِ الوجدانية ثم انسِ كل ما قرأتِ واكتبي روحكِ الخالصة.. ثم كانت مرحلة ثانية أكتب فيها لنفسي أتواصل من خلال القلم والورق بعوالم روحي المُحلّقة الشغوفة، أتحسس دروبا لتوهّج حروف أثيرة أعبّرُ فيها عن مساربها وتعرجاتها في أعماقي وأراقب انسكاب محابري بهطولٍ وامضٍ يغمرُني راحةً وبهجةً عندما يتلوّن على أوراقي البيضاء مساكبَ زهرٍ لخلجاتي المنتناثرة شعورا شفيفا وتغمرني مواكب غرق لذيذ في قطوف يراعي وتنهّداتها المرسومة روحا في قلب دفاتري.. ثم كانت المرحلة الثالثة وهي اتساع تطلّعاتِ قلمي وحاجته ليرى أثر هدير سواقي حبره فيمن حوله وتلقّف وجيب حروفه في عبورٍ دافقٍ ليصل القلوب ويسكن أعماقها بانهمار دافئ مُرهف يضوع في أفئدة القرّاء برائحة البرق المُبهر وحنين المطر الوادع يهز جذع اللغة فيتساقط قصيد الروح.
هل هناك كتب معينة أسرتك أكثر من غيرها؟
حيثُ الكتب دائما تكون روحي مُحلّقة متوثّبة لمناهلها بشغف؛ لا أود الخروج من جنّاتها البديعة أجرؤ أن أقول أنه كان لي الحظ الوفير بمصادقة الكتب والتجوّل في أكبر قدر منها ونهلتُ مكتبة أبي الضخمة قبل أن أكمل المرحلة الإعدادية، وكان لي شغف بكل كتاب قرأته ؛ لكن هناك كتب كان لها تأثير وشغف خاص وهي كثيرة لكن علي سبيل المثال : قصص الأطفال لأستاذنا وأديبنا الكبير يوسف الشريف التي علّمني منها أبي القراءة خاصة السمكة الذهبية ثم مجموعاته القصصية ومعاجم الأطفال والشباب المصورة، والمعلقات الشعرية وديوان المتنبي ورسالة الغفران للمعري ورباعيات عمر الخيّام ومن مكة إلى هنا لعمي صادق النيهوم وكل مؤلفاته وموسوعاته، والشيخ والبحر لهمنغواي وكل مؤلفات تشارلز ديكنز ومسرحيات شكسبير وكتب طه حسين والعقاد وكل مؤلفات ابراهيم الكوني وعبدالله القويري وعبدالله الغزال ود. عبد الله مليطان ومحمد المفتي وعلي مصطفى المصراتي ود. علي فهمي خشيم وخليفة الفاخري وأحمد نصر وأحمد يوسف عقيلة ودواوين شعراء المهجر وأبوالقاسم الشابي وجبران ونزار قباني ومؤلفات غادة السمان ومحمد الفيتوري وعلي الفزاني وديوان الأخطل الصغير وعلي الرقيعي والسياب والجواهري والبياتي ومحمود درويش وسميح القاسم ومنصف المزغنّي والوهايبي والصغيّر أولاد حمد ود. خليفة التليسي وخاصة كتابه “الشابي وجبران” لا أملّ قراءته..استطرد قلمي ولم أذكر كل ما أحببت من كتب ؛ عموما أحبّ وأتابع كل الأدباء والكُتّاب والشعراء وخاصة الليبيين.
أحلامك وطموحاتك التي تسعين لتحقيقها ؟
طبعا أتمنى السلام والاستقرار ولمَّ الشمل والتقدم لبلدي ليبيا وأسعى جاهدة لمواكبة النجاح والتفوّق لأولادي وغرس حبّ القراءة فيهم والاطّلاع الدائم على المؤلفات والمطبوعات القيّمة وتنمية مواهبهم في مختلف المجالات ؛ والاستمرار في نشر نصوصي ومُتابعة ردود الفعل حولها والاستفادة من ذلك في تحسين وتطوير أدواتي الفنيّة ولُغتي ومُفرداتي الخاصة.
ماذا عن نتاجاتك الأدبية؟
نتاجي الأدبي بعد قيامي بالنشر في مدونات وصحف ومنصّاتإلكترونية ليبية وعربية وكردية أنا الآن في انتظار قُرب صدور أنطولوجيا متميّزة هي الديوان المشترك “صهيل الأخيلة”، وأيضا ديواني الخاص الذي آمل أن يصدر في القريب العاجل.
بمَ تخصّنا أميلة من أبيات شعريّة؟
أخصكم بقصيدتي الأخيرة : ” بوْصلة نُعاس الصّحو “
صباحك يسيل
غرقا
في تفاصيل
هبوب
القرنفل
الأثير
فتوَدّ تقشيرهُ
ويُثْنيك
الوجل
ونبوءة الغياب
المُبلّل
بلهفة البوح
وبوْصلة
الصّحو
وروْنق
نُعاس
الأفق
يَحتويك
على مهل
وقطوف مُتنائية
تدور في
أروقة
الضباب
الشاحب
حتى يُبَحُّ
الموج
بزفرة الغسق
وشهيق
الغناء
البهيّ
دون ملل
وتشتعل الرؤى
تُلوِّحُ بتلاحين
سمفونية
بقايا
بهجةٍ
تأخذنا لمطلع
الشموس
وأريكة
مُتكأ القمر
وترمينا
على عجل
فكيف تُغادرُ
أعاصيرُك
أمواجي؟!
وأنا
الاتّجاه
والدّفة
والقرار
والفِرار
والملاذ
والمرفأ
وكلّ الأمل
في الختام أتقدم بأصدق التقدير لهذه اللمسة المرهفة للتواصل معي وتعريف القراء الأعزاء بحروفي وأخلص التمنيات بالغد المشرق الواعد لبلادنا ليبيا الحبيبة.