صورة الشباب المقدسي
سهيل كيوان | مجد الكروم – فلسطين
إلى جانب صور الشَّرف الكثيرة التي بُثّت ونشرت خلال التصدي البطولي لهجمة قطعان الفاشية على القدس العربية خلال الأيام الأخيرة، برزَت صورتان بشكل خاص، أو أنهما حظيتا باهتمام أكثر من غيرهما، رغم أن كل صورة عزيزة ومهمة، ومن لا تظهر صورهم وأفعالهم، أكثر بكثير من أولئك الذين نراهم، ولكن الصورتين تميَّزتا عن غيرهما، هذا ما قاله الجمهور في تقييمه للصور التي نُشرت، وتداولتها الشبكة ووسائل التواصل الاجتماعي.
الصورة الأولى لشاب يافع يمضي منتصب القامة، بين عددٍ من رجال شرطة الاحتلال الذين اعتقلوه خلال مواجهات باب العمود، كان واضحًا من انتصاب قامته وثبات مشيته بأنه يمضي بشعور كبير من الكبرياء إلى المعتقل، ولسان حاله يقول إنه مستعدٌ، ويشعر بالرضا عن نفسه لدفع ثمن موقفه الرافض والمتحدّي للاحتلال والفاشيين، وإنه يمضي رافعًا رأسه وليس خائفًا، ويملؤه شعور بالمسؤولية والأمل والثقة بالنفس، وإنه قام بما يجب أن يقوم به، وإن مقاومة الفاشيين والدفاع عن المدينة المقدّسة هو واجب على كل قادر.
هذه القامة المنتصبة قالت إن شباب القدس ليس كما أرادته له سلطات الاحتلال المتواطئة مع تجار المخدرات. الصورة قالت إن الشباب يقظ وواع ومستعد للتضحية.
قالت إن الهدم والعقوبات الجماعية والتهجير القسري والضرائب الباهظة على المتاجر، والمعاملة العنصرية في جميع المؤسسات الحكومية، لا تعني أبدًا الركوع والاستسلام لإرادة الاحتلال، ولا تعني أن ما يقرّره ويرسمه الاحتلال هو قضاء وقدر، بل تعني أن هذا الشباب حيٌ ومقاوم رغم كل الإحباطات، وعلى المهرولين أن ينتبهوا جيِّدا إلى أين هم ماضون.
هذه الوقفة قالت إن التخاذل لن يجدي نفعًا، بل يزيد من أطماع الفاشيين الذين تتسع قاعدتهم ونفوذهم في الكنيست وخارجها، وإن الطريق الوحيد للتصدي للفاشية والبقاء في الوطن بشرف وكبرياء هو مقاومتها وليس مجاملتها واسترضاؤها.
الصورة الثانية التي لفتت أنظار كثيرين هي لشاب عربي مسيحي مقدسي، وقف جنبًا إلى جنب مع إخوانه المسلمين في التصدي للفاشيين ومواجهتهم.
هذا هو الموقف الطبيعي جدًّا، وشعبنا ليس مقسَّما طائفيًا، وأكثريته السَّاحقة بجميع مركّباته رافضة للاحتلال ومستعدة لمقاومته، وفيه الوطنيون والمستعدون لدفع الثمن وهم الأكثرية، وفيه من المتواطئين والمستعدّين للتعاون مع الاحتلال وهم أقلية من كل مركَّبات شعبنا.
هذه القامات المنتصبة عكست الروح الوثّابة الواثقة من نفسها وبهذا حصلت على شرف تمثيل أرواح ملايين الشبان العرب الذين يتوقون إلى مثل هذه الوقفات وما تحمله من عزٍّ وشرف.
هذه الصور قالت إن وجود أنظمة مطبّعة مع الاحتلال وتهافتها وكثرتها لا تعني أن القضية تلاشت، وإن أهلها قد تبخّروا أو استسلموا، بل قالت إن الصراع ما زال في أوجهه، بل في بداياته، والذي يقرّر مصير الأوطان هي الشعوب، وليس هذا النظام أو ذاك، ولا ذاك الزعيم أو ذاك، وعلى جميع من ظنّوا أن الاحتلال ونظامه قادر على ممارسة عدوانه متى شاء وكيفما شاء دون ردٍّ، أن يحفظوا جيّدا صور هؤلاء الذين يمضون إلى المعتقلات وهم مبتسمون ومنتصبو القامات.
في الوقت ذاته، مِن اللافت ما جاء في تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش”، الذي نُشِر الثلاثاء، فقد جاء معزِّزًا لموقف المنتفضين المقدسيين واليافاويين، ومعزِّزا لموقف الفلسطينيين داخل مناطق 48 الرافض للعنصرية الممارسة ضدهم، وأعطى التقرير مثالا للعنصرية والتمييز ضد الناصرة مقارنة بـ”نوف هجليل” الملاصقة لها، والتي تحظى بدعم حكومي غير محدود مقابل محاصرة الناصرة، بهدف ديمغرافي يمنع تطور العرب وتكاثرهم الطبيعي.
التقرير هذه المرَّة شمل ما تمارسه دولة الاحتلال ضد جميع أبناء الشعب الفلسطيني بين البحر والنهر، في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وداخل مناطق 48، ووضع دولة الاحتلال في خانة واحدة مع النظام العنصري البائد في جنوب أفريقيا، وهذا يعني أنه مهما بلغت القوة الإعلامية الصهيونية من تزييف للواقع، ومهما راكمت على وجهها من أقنعة باسم الديمقراطية وتجميل للاحتلال من خلال حلفاء من العرب، سواء في فلسطين أو غيرها في الوطن العربي والعالم، فالحقيقة التي لا يمكن طمسها في نهاية الأمر أنه احتلال غارق في جرائمه ضد الإنسانية، ولا مناص من مواجهته وليس التواطؤ معه أو محاولة استرضائه، أو القبول بأمرٍ واقع يحاول فرضه.