في حضرة الغياب
عزيز فهمي | كندا
“رثاء شاعر ما قد أكونه لو أنني شاعر..!!.”
كم من سؤال عن وجود العدم
طرحنا،
وانتظرنا من يجيب…
الحرب ترسم هياكلها
وراء بسمة الريح
الطلقة تتأهب بين الكلمات
كي تصوغ بيان الغياب
لأننا سمحنا لحروف النفي
وأبحنا لأدوات الجزم
أن تقود قصائدَك إلى المقبرة
تغني مع الغربان وحفاري القبور
مزامير الفناء…
كنت طيبا
إلى هذا الحد الذي لا حد له
أعرفُ
ويعرف الشعر
نعرف ما يُبقيك طفلا دائما
حتى في موتك
ترى الحِمام الأسود يَعْرُج على سطور كتابتك
تظنهُ حَمامةً بيضاء
فتنثر له الهديل حَبًّا وحُبّاً
ولا تعبأ
كنت تقول:
سنعود إلى خيامنا
كي تفرح قبيلة المجانين
بأنفال الحكمة
وقوافل الحنين
لم تكن تدرك أنّ سيوفهم
خارج تَعَقُّلِها
لا غمد تلوذ به كي تهدأ
لا عقيدة تَهبك طمأنينة روحك
القبيلة كبيرة كدولة الخفافيش
في مغارة منسية
كثيرة أمام ضحكتك
أنت واثق كعادتك بأن الزمن
لا يَظلِم
تقول
نحن الذين جئنا إليه
نصرخ
أجنة كأزهار الليمون
وحين وجدتَ نفسك أمام حائط حلمك
أشهرتَ فيهم سنبلة
لم يزعجك الأبدُ الذي وُئِدَ فيك
أنجبتَ له شَكَّكَ
سامحتَ اليقينَ الذي لم يُخْبِرْكَ
أنك وردة تسر الناظرين
لكنها تذبل بسرعة ضوء يبحث عن ضوء مثله
كنت تدرك
أن غيابك سيزيد المجانين جنونا
لأن صمتك رؤيا وأسئلة
فبأي لغة نُخبر البحر في قصائدك
عن الموجة التي استوهت معناك
وَقَدَّتْ دُبُرَ قلقك؟
كيف نمسح دمعة النهر على خد صورك
التي تجمَّلت كعروس فرحة بفستانها الأبيض؟
أي هدوء يطلبُه ذهابُك؟
احتفلتَ بكَ لِتُغادرَك
كما تغادر غيمةٌ مائدةَ السماء فارغة من ملح البحر
لم تُخبِر الشموعَ بوجهتك
تركتَ الشياه للذئاب
لأن الكلاب قايضت نُباحها بسلاسل من ذهب
تركت الاستعارات حزينة
كعملة أهل الكهف في الأسواق
الاستعارات التي صاغت تراتيل الذهاب
إلى الحقيقة
لتقول للوهم
جئتُكَ لأتوهم فيك خلاصي
فالخلاص يحتاج دائما
إلى كذبة جميلة
ما أجمل الرياح…!
تأتي من لا شيء
لا تطلب الإذن من أحد
كي تَهُبَّ
تُمني المراكب بشط أرحب
قد تفي وقد تغضب
تمر كأنها لم تمر
بريئة منها
بريئة مني
ومنك
تعبث بالكل
تُزَوِّج سيقانها للفراغ
لا تندم
ولا تتعب