وقفة سريعة مع فيروس كورونا

محمد زهدي شاهين | – السواحرة الشرقية – فلسطين

هل يا ترى سيغير وباء كورونا النظرة الإنسانية السائدة ويقوي من الشعور الإنساني الذي بتنا بحاجة ماسة لإستنباته من جديد؟!
تساؤل بكلماتٍ معدودة لكنَ دلالة ما تشير إليه هذه الكلمات كبيرة وعميقة جداً. هذا التساؤل أعتقدُ بأن لسان حال الكثيرين منا في ارجاء هذه المعمورة يلهج به بعد صور الابتذال للإنسانية التي نراها بأم أعيننا من قبل الإنسان لأخيه الإنسان وبين افراد العائلة الواحدة احياناً اخرى، وسحق وضرب كرامة البشر بعرض الحائط من دول وأمم مختلفة على مر العصور.
حروب ونزاعات كبيرة وكثيرة حدثت ذهب ضحيتها مئات الملايين من القتلى و الجرحى و المتضررين بسببها.
إعدامات وابادات جماعية، وهتك لأعراض النساء، وقتل واغتصاب للأطفال، ووأد للحياة.
فهل يا ترى اتعظ هذا الكائن البشري، وهل عدل من سلوكه وشعوره خلال هذه الأعوام والفترات العجاف من تاريخ البشرية. مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الشعور الإنساني هو شعور نسبي ومتفاوت من شخص إلى أخر، وفي نفس الوقت متذبذب عند ذات الشخص أحيانا ً أخرى.
على كل حال نأمل بإن يكون ذلك، وتكون هذه المرحلة الحرجة درساً لبني البشر و انعطافه حقيقية لجادة الصواب، وتسهم في تغيير النظرة الإنسانية السائدة وتكون بداية فعلية لتقوية الروابط والشعور الإنساني، والانطلاق نحو مستقبل وغد مشرق من قاعدة أن الإنسان إما أخاً لك في الدين أو نظيراً لك في الخلق.
وعلى اغلب الظن وهذا ما لا ارجوه اعتقد بأنه بعد زوال وانتهاء هذا الوباء سيعود البشر لممارسة أعمالهم وسلوكهم كالسابق إلا ما رحم ربي، فمن الطبيعي جداً أن يلجأ الإنسان إلى معبوده متضرعاً وداعياً راجياً منه بأن ينجيه من لجة البحر ومن البلاء الذي قد حل به، وعند اجتياز البلاء ووقت الشدة فالكثيرون منا يعودون إلى ما كانوا عليه من ممارسة الغي وارتكاب الأخطاء.

بالاضافة إلى هذا لا بد من القول بأن فيروس كورونا أثبت للجميع وبإقتدار بأنه بحاجة الى جهد عالمي وأممي من أجل مكافحته والحد من انتشاره فمصيرنا واحد وكلنا بذات المركب.
تعد هذه التجربة الاولى من نوعها عالمياً في سرعة انتشار الاوبئة بهذا الشكل لسهولة التنقل والسفر بين الدول والقارات.
هذا الفيروس غير عادات كثيرة في المجتمعات وأحدث عادات أخرى ، و كشف أيضاً عن ضعف الإنسان وقصوره من عدة جوانب أهمها إهمال القطاع الصحي في مختلف دول العالم ، وتفشيه بهذا الشكل يعد أيضاً من المضار المرافقة للتطور والتقدم الحضاري من ناحيتين:
اولاً : في حال إن كان هذا الفيروس قد تم تطويره بشرياً فهذا مؤشر على استخدام التكنولوجيا والعلم في المجال السلبي الحاد والمتطرف، وهذا بحد ذاته شر مطلق واخراجٌ لقاطرة العلم عن مسارها الذي يجب تسخيره لخدمة البشر والإنسانية.
ثانياً : يعد أيضاً من مضار تقدم الحضارة البشرية بشكل غير مباشر بسبب تقدم وتطور وسائل النقل بشتى انواعها السياحية والتجارية إذ ساعد هذا في سرعة انتشاره وتفشيه في مختلف بقاع المعمورة. هذه الأزمة الصحية أيضاً كشفت الكثير من عورات البشرية ، فبالإضافة إلى الفجوة الكبيرة التي بانت في القطاع الصحي لا بد من التنويه والتطرق إلى السلوك الإعلامي الرديء والسيء إن جاز لي التعبير في كيفية التعاطي مع الحدث في بداية ظهور هذا الوباء وحالة الفوبيا والهلع التي حدثت نتيجة لطريقة نقل الاحداث من خلال الصور والفيديوهات التي بثت الرعب في قلوب البشر وكأنه مس من الشيطان فرأينا العديد من حالات الهروب من المشافي ومراكز الحجر الصحي، بالإضافة إلى طريقة التعامل السيء مع المصابين والنظرة السلبية بشكل حاد اتجاههم.
السيناريو الاسوأ
في الأشهر الأولى من ظهور أزمة جائحة كورونا قمت بكتابة بعض المنشورات الارشادية والتوجيهية لحث المواطنين من اجل تنظيم مظاهر الترابط والتعاون الاجتماعي وعدم الارتجالية في هذا الشق بالذات لأهمية دورة من اجل الصمود خلال هذه الجائحة من خلال مد يد العون ومساعدة الاسر ميسورة الحال والمتضررة، فالتعاون الاجتماعي اعتبره رديفاً ومعززاً لدور حكوماتنا خاصة في الدول النامية لشح مواردها وعدم مقدرتها على تنفيذ وتقديم ما عليها من واجبات والتزامات اتجاه مواطنيها ورعاياها. فالعمل المنظم يؤتي أكله بشكل افضل. وكان يأتي هذا أيضاً في سياق الاستعداد والتحضير بشكل جيد لأسوأ سيناريوا قد يحدث في تلك الفترة الصعبة التي عايشناها جميعاً جراء الاغلاقات ومنع التجوال وحجر القرى والبلدات والمدن، وهذا في حال عجز الطب في اكتشاف العلاج في الوقت المناسب واستمرار هذه الحالة لفترات زمنية طويلة. فقد كانت تشير المعطيات على الأرض وما تزال كذلك بإن مصيرنا رهن التصرفات الفردية غير الملتزمة بالحجر الصحي والالتزام بتوجيهات الجهات المختصة، وهذا ما بتنا نراه من خلال الازدياد المضطرد في عدد الإصابات نظراً لعدم الالتزام بها من قبل المواطنين.
إن اسوأ سيناريو كنت أتوقعه إبان تلك الفترة هو عدم السيطرة والحد من انتشار هذا الوباء في فلسطين التاريخية بشكل عام، وتقطيع اواصر المدن والقرى والبلدات، مما يعني التأثير بشكل سلبي وحاد على عدة قطاعات أهمها القطاع الصحي الذي كان العاملين فيه هم جنود حقيقيون، وقطاع الأمن الذي ليس بمقدوره فرض النظام في مختلف المدن والقرى والبلدات، والقطاع الثالث فقدان الأمن الغذائي على المدى القصير للأفراد، وعلى المدى الطويل بسبب إيقاف النقل التجاري بين الدول وشح الموارد.
إن معركة الإنسانية في مواجهة هكذا أزمات هي معركة واحدة، فيجب علينا توحيد ورص الصفوف دوماً والعمل بشكل منظم ومتزن مبني على أسوء سيناريو قد يواجهنا في الفترة المقبلة.
ها نحن قد دخلنا عتبة العام الثاني ونحن نرزح تحت وطأة هجوم هذا الفيروس اللعين وعلى الرغم من صناعة بعض العقاقير والتطعيمات المضادة له إلا أنه يتحور ويظهر بين الفترة والأخرى طفرة جديدة منه أخرها الطفرة الهندية. لهذا نأمل من الله بأن يعجل بالفرج ويرفع هذا الوباء عن الإنسانية وتعود الحياة الى مجاريها التي اشتقنا الى صخبها وضوضائها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى