الملتقى العماني العراقي الافتراضي في مجال أدب الطفل واليافعين

شيخة الفجرية | كاتبة عمانية

كنَّا ثلاثة أطفال، حين كانت والدتنا _ حفظها الله_ تضمُّنا إليها كل مساء لتسألنا قائلة: صرير وبنتها؟ قولوا: كم تحتها؟ فنسألها: كم تحتها؟ فتختار لنا امرأة دون أن تسمّيها قائلة: تحتها يا حبيّب العين ثلاث بنات؛ من هي؟
كان علينا أن نفكر من هي المرأة التي ليس لديها سوى ثلاث بنات فقط، ولكنا نكتشف سريعًا أن تلك المرأة هي زوجة خالها وجارتنا في ذات الوقت وبناتها الثلاث صديقاتنا ورفيقاتنا اللائي نلعب معهن يوميًا.
بعد أن ننتهي من “صرير وبنتها” وحلَّ اللغز اليومي تبدأ والدتنا سرد الخرّوفة “حكاية ما قبل النوم” والحكايات تتكرر أحيانًا حسب ذاكرة أمّنا الحبيبة مثل: ” حزّوه وحزيزوه”، و”بديحتي بديحتي”، و” السمَّاك واللولو”، و” أنا قحيص”، و” حور بن نور”، وغيرها الكثير من الحكايات؛ وكما يقول الشاعر عبدالرزّاق الربيعي: “عندما نكتب للأطفال، فناقدنا الوحيد الذي يحقّ أن يطلق أحكامه على ما نكتب هو الطفل، فتراه يلوّح علينا بهراوة النقد، ويمارس علينا كامل سلطته، ونحن نقبل أحكامه برحابة صدر، لعلمنا أنّه لا يحابي، ولا يجامل، وليست له مصالح يسعى لمراعاتها”. من أجل ذلك ومن مبدأ أننا في طفولتنا أصحاب حق في النقد، فإن السؤال أولى مفاتيح هذا النقد، كان سؤالنا من أين تأتي الحكايات لأمهاتنا؟
فتُحدثنا أمهاتنا عن طفولتهن، حين كُن يشترين الحكاية بالمال بعد أن يسمعن صوت البائعة وهي تنادي الأطفال بأسلوبها التشويقي الجذَّاب: ” تعالوا، تعالوا صغيرين، تعالن بنيّات، عن حزّوه، حزيزوه، ظريفة ظريفة، جريريفة يابت كريوات كليوات، في التنور، والتنور يبا حطب، وعن خريريفة جريريفة، خرّوفة، خريريفة، والخروفة العودة، تعالوا، تعالوا يا ولاد، تعالن يا بنيّات، عن خروفة، يابت خريريفة والخريريفة يابت جريريفة، والجريريفة يابت كريوات كليوات، وعن الخرّوفة بحازيكم، وببازيكم، وبخرّي غوازيكم”، وهكذا انتقلت إلينا الحكايات التي يجب أن تصل مكتوبة ومحكية إلى كل طفلٍ في عُمان وهو ما أفعله بشكل شهري منتظم في مجلة مرشد للأطفال، يقول تولستوي: “من السنة الخامسة الى سن الخمسين خطوة واحدة، ولكن من الطفل الوليد إلى السنة الخامسة مسافة شاسعة جدا”، ذلك يعني وكما تقول الدراسات المختصّة: أن السنوات الخمس الأولى هي التي ينمو فيها عقل الطفل بما يتحصَّل عليه من تلقينٍ وتوجيه.
إنّ اهتمام أهلنا سبق اهتمام العالم بالطفولة، وحين كانت أمهاتنا تغني لنا في المهد وتحيطنا بالمناسبة تلو الأخرى احتفاءً بنا ابتداءً بيوم “التخفّف” وهو يوم إكمال الطفل أسبوعين من عمره حيث تقام وليمة للناس، ثم يوم “طلوع النفساء” بعد شهر من عمر الطفل وتقام وليمة أخرى وترتدي الأم وطفلها ونساء بيت العائلة ملابس جديدة وخضراء اللون، ثم يوم “الحول حول” ووضع الحناء وتوزيع الأرز باللحم أو بالدجاج “العرسية بعسل دبس النخيل”، تلك العادة الملازمة ليوم بلوغ الطفل شهرًا كاملًا من عمره، والمستمرة إلى يوم الناس هذا، لم تكن هناك منظمة عالمية خاصة بالطفل ( اليونيسيف )، وذلك الحب كله ليس بناءً على ما جاء في بنود “الإعلان العالمي لحقوق الطفل”، أو “الهيئة العالمية لبحوث أدب الطفل”؛ أو اتفاقية هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؛ التي أصبحت قانوناً دولياً منذ عام 1990، بعد انضمام حكومة 129 دولة لها.
كل ذلك تحوَّل الآن إلى ما يعرف بتاريخ “أدب الطفل”، ويعرّفه سيد قطب الأدب _كما ورد في (النقد الأدبي أصوله ومناهجه) _ بأنه: “التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية”، فهل المعبرين بالقصص والغناء أدباء؟ علمًا بأنَّ الأدب لا يخلو من قيم ينشدها الأديب بحكم أنه: “تعبير موح عن قيم حية ينفعل بها ضمير الفنان هذه القيم قد تختلف من نفس إلى نفس، ومن بيئة إلى بيئة، ومن عصر إلى عصر، ولكنها في حال تنبثق من تصوير معين للحياة، والارتباطات فيها بين الإنسان والكون، وبين بعض الإنسان وبعض”، أمَّا أدب الطفولة: فـ”هو فن التعبير الأدبي، الذي يهدف إلى تنمية ما لدى الطفل من مواهب تنعكس على تفكيره وتعبيره”، ويقول أحمد نجيب في كتاب” أدب الأطفال علم وفن”: إن “أدب الأطفال علم وفن”. وتثمينًا لأهمية أدب الطفل أقام النادي الثقافي “الملتقى العماني العراقي الافتراضي في مجال أدب الطفل واليافعين” بالتعاون مع المركز الثقافي العراقي للطفولة وفنون الدمى، ضمن جهوده في إبراز الثقافة العمانية في ميع المجالات.
بدأت الدكتورة وفاء الشامسي بتقديم نبذة عن الملتقيات الخاصة بأدب الطفل في نسختيه السابقتين التي تبناها النادي الثقافي إلى أن وصل للنسخة الثالثة باسم: “الملتقى العماني العراقي الافتراضي في مجال أدب الطفل واليافعين” بالتعاون مع المركز الثقافي العراقي للطفولة وفنون الدمى بجهود من رئيسها الدكتور حسين علي هارف، بعدها ألقى الأستاذ الأديب عبد الرزاق الربيعي افتتاحية موسعة عن أدب الطفل والاشتغالات عليه.
ثم بدأ الدكتور حسين علي هارف، وأدار أولى محاضرات الجلسة الأولى بعنوان: “تجربة أدب الأطفال في العراق وعُمان حاضر ورؤى مستقبلية”، مقدمًا الدكتورة عزيزة عبدالله الطائي التي استعرضت بعض الجهود العمانية في أدب الطفل في عُمان، ثم تحدثت الدكتورة طاهرة داخل طاهر التي أسهبت فيها عن التجارب العراقية في هذا المجال، وكانت محاضرتها على ثلاثة أجزاء، الجزء الأول بعنوان: “نشأة وبدايات أدب الأطفال في العراق”، والجزء الثاني:” التطور في أدب الأطفال في العراق”، الثالث: برامج الأطفال في تلفزيون سلطنة عُمان بينما كان المتحدثون كلا من الدكتورة كاملة الهنائي والدكتور حسين علي هارف، والأستاذ إدريس النبهاني، والمخرج المسرحي حسين علي.
والجلسة الثالثة بعنوان: شعر الأطفال قراءات ومناقشات، بإدارة الدكتور عامر العيسري، قدم الأشعار التي تلامس قضايا الطفل كلًا من: الأستاذ محمد كاظم جواد، والشاعر حيدر غازي، الشاعرة خديجة المفرجي، والشاعر هلال العبري، ثم انتقل النقاش عن المعايير المناسبة في شعر الأطفال، تحدث عنها الشاعر حيدر غازي، ثم الشاعرة خديجة.
ويعد الغناء أو الشعر للأطفال، مؤشر على مدى سكينتهم ومظهر من مظاهر العناية النفسية بالطفل في عُمان تبدأ منذ أيامه الأولى بعد الولادة وما غناء أمهاتنا لأطفالهن في المهد إلا بداية لهذه العناية، والغناء للطفل في المهد لا يقتصر على أم الطفل أو الطفلة فقط، بل كنا نرى جداتنا وجاراتنا كبار السن يغنين على كل طفل جديد يأتي في حياتنا؛ وكما للطفل الوليد أغنيات خاصة، فللطفلة أغنيات خاصة كذلك؛ منها:
و”نشري نشري نشري
وسابقي سنَّاك
و ودريهم وراك
وشبي شبابينك
ومزري يهابينك”
أما للولد فيقال:
” انشر انشر انشر انشر
من نشر ما وافق شر
وافق هملول المطر”.
ويبدو أن الغناء للطفل تقليد ابتكره العرب منذ أمدٍ بعيد، فها هو _ كما جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير _عبد المطلب يأخذ حفيده الرسول صلى الله عليه وسلم فيدخله جوف الكعبة، ويدعو الله عز وجل ويقول:
الحمـد لله الـذي أعـطاني
هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان
أعيذه بالله ذي الأركـان
حتى يكـون بُلغة الفتيان
حتـى أراه بالغ البنيان
أعيـذه من كل ذي شنآن
من حاسد مضطرب العنان
وقد أتضح كم كانت العراق سبَّاقة في إصدار مجلات أدب الأطفال منذ عام 1922، فأول مجلة ظهرت في صحافة الطفل كانت بعنوان (التلميذ العراقي)، ومجلة (ألف ليلة) في عام1964، ومجلة (علاء الدين) في عام 1968، وفي عام 1969 صدرت مجلة (مجلتي) للأطفال، وبعدها صدرت مجلة (المزمار) عام 1970، ومجلة الزنبقة بعد 2003. وفيما يختص بأدب الطفل في بلادنا، فإنه إن ابتعدنا عن الموروث الشعبي في أدب الطفل، فإن المنجز الحديث لا يمثل 50 عامًا من النهضة في عُمان، إذ كانت المؤسسات الثقافية جميعها عاجزة عن إصدار مجلة واحدة فقط للطفل، لتتوزع الجهود الشحيحة على ملاحق بسيطة سمع بها بعضنا ولم يسمع بها بعضنا الآخر، مثل: ملحق “دنيا الطفل” بجريدة عُمان، والذي استمر لمدة أربع سنوات فقط وانتهى، ثم ملحق “الشرطي الصغير” التابع لشرطة عمان السلطانية، والمجلة الوحيدة للطفل هي مجلة مرشد أصدرت منذ 5 أعوام تقريبًا ونرجوا لها الاستمرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى