دَعْنِي أواصِلْ
تركي عامر | فلسطين
في مَكانٍ بَعِيدْ
عَنْ ثَرَى الأَهْلِ وَالأصْدِقاءْ،
لِي صَدِيقٌ يَعِيشُ كَطِفْلٍ وَحِيدْ
يَتَسَلَّى بِلِحْيَتِهِ الغابِرَةْ.
قالَ لِي ذاتَ دَرْدَشَةٍ عابِرَةْ:
“قَبْلَ يَوْمَيْنِ إلّا قَلِيلًا،
حَلُمْتُ بِأَنِّي مِنَ السُّعَداءْ!”.
قُلْتُ: “إِنِّي سَعِيدٌ لِأَجْلِكَ جِدًّا!”.
فَقالَ: “اسْتَعِدَّ لِتَسْمَعَ، هَيَّا!”.
فَأَحْضَرْتُ سَمّاعَةً صابِرَةْ،
لا تُخَيِّبُ ظَنًّا لِأَيِّ رَجاءْ.
قُلْتُ: “هاتِ!”. فَأَنْشَأَ يَبْكِي
وَيَعْزِفُ لَحْنًا فَرِيدْ:
“قَبْلَ يَوْمَيْنِ كُنْتُ كَما كُلَّ يَوْمٍ،
أشاهِدُ نَشْرَةَ ذاكَ المَساءْ…”.
وَتَوَقَّفَ سَطْرًا.
وَكانَ بُكاءٌ مَدِيدْ.
قُلْتُ: “أَكْمِلْ بِحَقِّ السَّماءْ!”.
قالَ: “نادِلَةُ الطَّقْسِ لَمْ تَأْتِ!”. ثَنَّى:
“حَزِنْتُ لِأَنِّي أُحِبُّ قِراءَتَها،
وَهْيَ مُقْبِلَةٌ مُدْبِرَةْ!”.
قُلْتُ: “هٰذِي مُؤامَرَةٌ!”.
قالَ: “فِعْلًا. غَفَوْتُ سَرِيعًا
بِدُونِ غِطاءْ.
وَغَرِقْتُ بِحُلْمٍ تَمَنَّيْتُ لَوْ
كانَ عِلْمًا أكِيدْ!”.
قُلْتُ: “لا شَكَّ حُلْمٌ سَعِيدْ!”.
قالَ: “مَهْلًا صَدِيقِي!
تُوُفِّيتُ في الحُلْمِ. سَجَّيْتُنِي
فَوْقَ تَخْتِي. وَصَلَّيْتُنِي.
وَارْتَجَلْتُ عَلَيَّ بِلا مَحْبَرَةْ،
خُطْبَةً أيْنَ مِنْها الرِّثاءْ!”.
قُلْتُ: “ماذا بِشَأْنِ البُكاءْ؟”.
قالَ: “دَعْنِي أواصِلْ!
حَمَلْتُ بَقِيَّةَ جِسْمِي الزَّهِيدْ،
وَوَحِيدًا مَشَيْتُ إلى تُرْبَةٍ
خَصَّصَتْها المَدِينَةُ لِلْغُرَباءْ.
غَيْرَ أنِّي أفَقْتُ مِنَ الحُلْمِ (تَبًّا)،
قُبَيْلَ الوُصولِ إلى المَقْبَرَةْ!”.
قُلْتُ: “عُمْرٌ جَدِيدْ
قَدْ أتاكَ. وَشُكْرًا كَثِيرًا،
فَلَوْلاكَ ما وُلِدَتْ..
هٰذِهِ الشّحْبَرَةْ!”.