أدب

يوما لم أُسَمِ فأكل الشيطان معي

قصة قصيرة

 شريف العجوز | القاهرة

جرب أن تجلس هناك في تلك الزاوية حيث المقعد الوحيد يجاورك ال (طقطوقة)، تجلس غير عابئ بأحد، تلقي بساقك على الأخرى، تخرج غليونك الذي تتوارى به خشية أن ينعتك أحد بالنرجسي أو الدقة القديمة أو المنظرة أو، أو، تعبئه بالتبغ المحلي الذي لا تستطيع جمع ثمنه، تسحب شهيقا طويلا وتخرج زفيرا كثيفا، تنثر دخانه الأزرق حول الأشياء تحاول، وضع حدود لها.
جرب أن تتنكر لعقارب الساعة وهي ت… ح… ا… و…ل ، ص… ن… ع… ا… ل… ق… د… ر
كيف كنت تراقب بطئ حركتها وأنت تهاب سماع ناقوسها يعلن فوات ساعة جديدة من عمرك بلا هدف وأنظر لها نظرة ممتعضة تسخر بها قائلا
– وماذا بعد؟
جرب أن تترك الأشياء متناثرة حولك تشكل الشكل العشوائي الذي تشمئز منه، وتعترض دائما على تناثرها، لتكتشف أنها تتناثر فقط من أجل أن تثير اشمئزازك، أن تجهش بالبكاء فجأة في وسط علو الضحكات ولا تبرر لأحد، ألا تبتسم في وجه أي أحد، تمتعض كيفما شئت وفي أي وجه
قولا واحدا
أو إثنين، ربما ثلاثة، دعهم يثرثرون كما شاءوا، انفث دخان غليونك حولهم وانتظر حتى يتلاشوا معه، لست مجبرا على أداء دورا مرسوم لك في رواية يملئها صخب، ويحاولون إقناعك أنك من أبطالها وعليك الخضوع لرؤية راويها، أنظر لهم من أعلى لأسفل ممتعض الشفاه، واسحب طباشيره وخط من بداية (السبورة) لنهايتها (طظ)
جرب أن تخلع نظارتك الطبية -التي ترتديها لتحيط برؤية الأشياء -فلا ترى الا ما بين أصابعك، ما تملكه فعلا بينها، فتكتشف أنك كنت تدخل حروب مجانية لأجل أناس يختصرون فدايتك من أجلهم بكلمة واحدة تهدم كل ما كنت تفعله، فقط تكف لأجل الاستراحة.
مثلا أن تأكل من إناءك دون أن تسمي وانتظر حتى يأتي شيطانهم ليأكل معك وينهي الطعام وستجد أنهم أوهموك بذلك لكي يوهموك بالشبع فتترك لهم الإناء قبل أن تشبع فعلا.
جرب أن تخرج بين الحشود فتصرخ بكل جوارحك ولا تعبأ بنظراتهم الحاكمة عليك بالجنون لأنك تمردت على عالمهم الوهمي.
جرب أن تبقى وحيدا أن تبتعد عن أي معايير فردية لتقييمك، الغرض منها صنع ذات أخرى على حسابك، أن تعطف على نفسك، فتسعدها، ثم تمرح معها، ثم ترسم معها عالمك الحقيقي الذي وددت وجوده فعلا، أن تبقى جالسا في الزاوية التي تعادل كفتهم ولا ترجحها لأجلهم.
جرب ألا تصلح صورة الشرير الذي رسمها لك أحدهم في روايته ودعه يعيش عمره ويظن أنك الشرير ولن تنزل عليك اللعنة لأجله ولا حتى من يراك ملاك فلن تحيطك البركات كذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى