الموجز في الأدب الدانماركي (1)
سليم محمد غضبان | كوبنهاغن
يُعتبر لودفي هولبيرغ Ludvig Holberg رائد المعقول النقدي في الدانمارك. وُلد في مدينة بيرجن عام ١٦٨٤ وتوفي عام١٧٥٤م. كان والده ضابطًا في الجيش، بينما تنتمي والدته الى عائلة من الكَهَنة ورجال الدّين. توفي والده قبل بلوغه العام الثاني. توفيت والدته وعُمره ١٠ أعوام. إخوته الصّبيان السّتة توفوا جميعًا وهم أطفال.
وهكذا آلَ مصيره لإحدى العائلات لتبنّيه، قَبْلَ أن يُسافر الى كوبنهاجن لدراسة الثانوية العامّة. لم يطل به الأمر بسبب الضّائقة الماليّة فعاد ليعملَ ويجمعَ المالَ، ثم عاد عام ١٧٠٤ الى كوبنهاجن لإنهاء دراسته. درسَ الفلسفة واللاهوت، لكن كانت له مآربُ أُخرى. بعدَ إقامةٍ قصيرةٍ في النرويج، سافر عام ١٧٠٤ الى أمستردام. سافر عدّة مرّات. سافر بعدها الى لندن وأوكسفورد. هناكَ اختلطَ بالمُتعلّمين، وداهمته الرغبةُ بأن يكون كاتبًا. وحلُمَ بالكتابةِ عن تاريخِ الممالكِ الأوروبيّة والجغرافية والسياسة. ف
ي عمر العشرين، عاد إلى كوبنهاجن، وطرحَ خُطّتَهُ على بعض المُتنفذين فساعدوه ماليًّا لإيمانهم بقُدراته. حصلَ على منحةٍ للدراسة في كُليّةBorchs Kollege. ثمّ أراد مُواصلةَ دراسته الجامعيّة ليتفرّغَ بعدها للكتابةِ. أصدرَ عملًا من مُجلّدين، أحدهما عن التّاريخ، والآخر عن الجغرافيا. ثُمّ شرعَ في الكتابةِ عن قانون الطّبيعةِ، وشرَحَه للدانماركيين. هذا العمل وضَعَهُ ضِمنَ الأساتذة المُدافعين عن هذا القانون.واجهَ الكتابُ بعضَ الصّعوباتِ في البدايةِ، إِلَّا أنه أصبحَ فيما بعد أكثرَ كُتُبه قراءةً. قام هولبيرغ بعدد من الرّحلات في أوروبا، وكتبَ عنها. اشتهرَ بفن الفُكاهةِ والدّفاعِ عن حُقوقِ المرأةِ. وعندما تمَّ افتتاحُ <دار الفُكاهةِ> في كوبنهاجن، وجدَ هولبيرغ أنّه هذا ما كانَ يحتاجهُ بالفِعلِ.
سار هولبيرغ على خُطا موليير بدمج الكوميديا الكلاسيكية والشعبية. و كان موليير يُعتبرُ سيّد الكوميديا، و هو من جمعَ بين المُفيد و المُمتع. في خريف ١٧٢٢ عرضَ المسرح الدانماركي خمسَ مسرحيّاتٍ كوميدية لهولبيرغ وهي: المُرتبك Den Vaegelsindede، السياسي صانعُ الشّمعِ Den Politiske Kandstoeber، ويأتّي فَوْقَ الجبلِ Jeppe paa Bjerget و جين الفرنسية Jean de France، و المُعلّم جيرت وست فالر Mester Gert Westphaler. وما كادت تُعرضُ هذه المسرحيّات حتّى كان لدى هولبيرغ مخزونًا آخر من مخطوطات المسرحيّات مُؤلفٌ من خمسٍ من الكوميديا. بإنجاز هذه الخمس خلال مدّة سنة ونصف، يكون هولبيرغ قد ضربَ رقمًا قياسيًا في القُدرةِ على الكتابةِ. في مسرحيّات هولبيرغ، تلعبُ المُؤامرةُ دورًا مُهمًّا، والمشاكلُ الأخلاقيّةُ تخضعُ للمعقول الإجتماعي. كنصيرٍ للأخلاقِ، يَعتبرُ هولبيرغ نفسه عقلانيًّا أوّلًا. إنّ فحوى مسرحياته لا تدورُ بالتّحديد عن المشاكل ِالأخلاقيةِ بقدر ما تدورُ حولَ المُقارنةِ بينَ الواقِعِ والخيالِ.
إراسموس مونتانوس Erasmus Montanus هو عنوان مسرحيةٍ لهولبيرغ و هي تُمثّلُّ ذروةَ الفُكاهةِ في مسرحيّاته. إراسموس شاب يُرسله أهلهُ في الرّيف لتلقّي العلم في كوبنهاجن. يذهب إراسموس بين فترةٍ وأُخرى لزيارةِ أهله. وفي كلّ مرّةٍ، يدورُ بينهم حوارٌ يُثيرُ الفُكاهةَ لدى أيّ قارئ. يُحدّثُ إراسموس أهلَهُ عمّا تعلمَهُ في الجامعةِ من ظواهرَ طبيعيّة مثل الخسوف والكسوف وكُروية الأرض ودور المرأةِ اللائق في المُجتمع. والأهلُ مُستغربونَ ويُقابلونه بمفهومهم البسيطِ جدًا عن هذه الأشياء. هُم يُجادلونه ويعتقدون أنّ ابنهم يكادُ يفقِدُ عقله بسبب ما يتعلّمهُ من أكاذيب، برأيهم. تتّسعُ الفجوةُ بالتفكير بين الطّرفينِ وتُستخدَمُ لُغةٌ مُحدّدةٌ، وأحيانًا لغة الاستعارة والمجاز، وهكذا يكونُ من الصّعبِ التوصُلُ الى حلّ.
عام ١٧٣٠م، حصلَ هولبيرغ على درجةِ بروفيسور في التّاريخِ التي كان يحلُم بها مُنذُ صِغره. كان هذا إيذانًا ببدء مرحلةٍ جديدةٍ من حياتِه. قسّمَ النُّقاد حياة هولبيرغ إلى ثلاثةِ وجوهٍ، الشّعري،التاريخي، و الفلسفي. لم يكن لهولبيرغ رغبةٌ في التّدريس. عام ١٧٣٥ تمّ تعيينهُ مُحاضرًا في الجامعة، واستمرّ في كتابة التّاريخ. لقد أنجزَ أعمالًا مُبهرةً. عام ١٧٢٩ أصدرَ <وصف الدانمارك و النرويج> Danmarks og Norges Beskrivelse ١٧٣٢-١٧٣٥ . أنجزَ <تاريخ مملكة الدانمارك> Danmark Riges Historie في ثلاثةِ مُجلّدات. عام ١٧٣٨ أصدرَ <تاريخُ الكنيسةِ الشّعبيّةِ> في مُجلّدين. وعام ١٧٤٢ أصدرَ <التاريخُ اليهودي> Den Joediske Historie في مُجلّدين.
يُعتبرُ < تاريخُ الدانمارك> أكبرُ عملٍ لهولبيرغ. إعتُبِرَ هذاالكتاب أهمّ عمل تربويٍ. بالنسبةِلهولبيرغ، يُعتبرُ التّاريخُ العلمَ الأكثرَ فائدةً، والذي يعملُ كالمرآةِ، حيثُ يُمكنُ للمرء من مُجرياتِ الأحداثِ أن يتنبّأ بما سيأتي. وهكذا يحصلْ على نظرة جديدةٍ للعالمِ وللنّفسِ. يقول هولبيرغ: أتعلّمُ من التّاريخِ عن الأوطانِ وعن البشر. أتعلّمُ عن نفسي.
من الأعمالِ الأُخرى لهولبيرغ الرواية الفانتازية الفلسفية، رحلةُ نيلز كليم تحتَ الأرضNiels Klims Underjordiske Reise، و <أفكار عن الأخلاق> Moralske Tanker .
بناءً على أفكارِ بعض الأُدباءِ الدانماركيين، من ضمنهم هولبيرغ و ينس شيلدروب سني دورف Jens Schielderup Sneedorf تمّ تأسيس جمعيّة تطوير المعرفة و الفنون الجميلة Selskabet til de Skioenne og Nyttige Videnskabers Forfremmelse عام ١٧٥٩. و كان الأخيرُ أحدَ مُؤسّسيها.
قبل ذلك، كانت حركةُ التقويةُ الدّينيةُ Pietismen قد دخلت من ألمانيا إلى الدانمارك. إنضمَّ إليها العديدُ من الكُتّابِ الدّانماركيين مثل هانس أودلف برورسون Hans Adolph Brorson (١٦٩٤-١٧٦٤). لكن هذه الحركة لم تستطع السّيطرة على الكنيسةِ الرّسميةِإلّا بعد اعتلاءِ كريستيان السادس العرش عام ١٧٣٠. لكنّ الأرثوذكسية لم تنتَهِ تمامًاأبدًا.
بعدَ دُخول حركة التقوية الدّينيةُ، ظهرتْ عدة كُتب للأناشيد الدّينيةِ، كان أبرزها مجموعة <تغريدةُ البجعة> ١٧٦٥ لهانس أدولف برورسون. من شُعراءهذه الفترةِ أمبروسيوس ستوب Ambrosius Stub ١٧٠٥-١٧٥٨. تعرّضَ هذا الشّاعر لتقلّبات كثيرة في حياته، على الصّعيد العائلي و المِهني والدّراسي. كان سيّء الحظّ، وعاشَ طيلةَ حياته فقيرًا وماتَ كذلك. إِلَّا أنّ أشعارَه كانتْ مُميّزةً في عصره، لكن لم تُجمع في كتابٍ إِلَّا بعدَ وفاتِه.
……….
هامش:
يعتمد هذا الموجز على ما ورد في سلسلة تاريخ الأدب الدانماركي،Dansk Litteratur Historie, إصدار دار النشر الدانماركية جولدندال Gyldendal الباب الثاني: من ١٦٠٠-١٨٠٠م الفصل ٧ : عصر المعقول ١٧٠٠-١٧٧٠م