الغلاف والعنونة في ” بريد الفتى السومري ” لـ ” عدنان الفضلي “

أ.د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

عتبة الغلاف:

 إن اللوحة – بنوعيها لوحة الغلاف, واللوحة الداخلية- هي الإيقونة الأبرز في أولى العتبات, فهي علامة دالة تستقبل ضمن انساق تتفاعل فيها اللغة , واللون, والحركة  والقصد العام لهذه العلامة, أي اللوحة, وتمثل هذه العتبة الإيقونة الأولى, والأكثر وضوحا في شريط العلامات السيميائية التي يتشكل من مجموعها, أي مجموع إيقونات هذا الشريط , معرض النص [1], فاللوحة تمثيل للمكتوب ونقل له إلى صورة/ لوحة, وهذه الصورة/ اللوحة هي اجتهاد مستمر لاختزال مقول النص الذي تتبناه هذه اللوحة سواء أكانت لوحة غلاف لعمل كامل, أم لوحة داخلية لنص محدد , فاللوحة الداخلية تمثل فعلا مساعد يستمد مقاصده من الفعل الرئيس – لوحة الغلاف – ويجتهد من اجل فتح مديات أوسع أمام المحفل النصي [2],وفي ضوء هذا الوصف نجد أننا أمام تقسيم بائن لهذه العتبة , يتوزع على نوعين ثابتين وقارَين للوحة في العمل الروائي هما: لوحة الغلاف, واللوحة الداخلية , وهذا التقسيم يبين أن لهذه العتبة سلطة استقصائية  للمعنى الأدبي منطلقة وراءه بدء من الغلاف, الذي تتمركز فيه لوحة الغلاف, مرورا بحيثيات المتن الأدبي الذي تقدمه – داخليا – اللوحة الداخلية , وصولا إلى المعنى الدال والمراد منها – أي من اللوحة- تمثيله ونقله مبصورا إلى المتلقي [3], وعتبة لوحة الغلاف هي الشكل الخارجي الأكبر لهذه العتبة / اللوحة, إذ تبين – داخل متنها – أشكالا صغرى لتكون بذلك شبكة سيميائية تستطيع الإحاطة – تمثيلا- بالمنجز الذي تغلفه ,ففي ديوان (بريد الفتى السومري) للشاعر عدنان الفضلي  والتي كانت لوحة غلافها من رسمها , تتشكل من ثلاثة ألوان متسلطة وحاكمة على المرئي من هذه اللوحة وهي :الأخضر, والأحمر ,والأزرق ,الأخضر: لقد تمكن من تغطية ثلث مساحة اللوحة تقريبا , والمعروف أن هذا اللون رمز للخصب, أي انه دليل الطاقة والقوة والحيوية, وفي هذا تجهيز وذخيرة لتنفيذ التنبيه الذي انذر به العنوان , وهنا تكمن حساسية التوصيف اللوني ,فالأخضر أدى دوره كدليل للخصوبة من جهة, ومن جهة ثانية أعلن ضمنيا بالتجاور مع الألوان الأخرى أن خصوبته ستكون ذخيرة لغضب رأس الخصوبة الورد, أن أحوج الأمر لذلك[4], وهنا أعطى عدنان الفضلي  دلالة واضحة على خصوبة الحياة ,واللون الأحمر من اللوحة في الأسفل  مع اللوحة المرسومة من قبل الفنان محمد شهاب , وفي الأعلى لكي يشارك في النقل/ الأخذ إلى حدود عنوان الديوان, ففي المكان الأسفل الذي يعلو الشريط الأسود في أرضية اللوحة نرى الاصفر حاضرا بكامل قواه اللونية ليتواصل بذلك مع دلالة الخواء والتوقف عن الحياة التي قدمها هذا الشريط الأسود وبذلك يكون الأصفر علامة للبؤس التي حرضت واضطرت  إلى انتهاك حقوق مدينة الناصرية  المستلبة, والأزرق الممثل لعنوان اللوحة , ليشير بتماهيه هذا أن له معنى أخر وهذا ما نلحظه في وصوله للمكان الأعلى الذي جاء على شكل كلمة كبيرة في أعلى الديوان , وقد خط اسم الشاعر عدنان الفضلي  باللون الأسود ليؤكد أن هذا الاسم ينتمي إلى الشريط الأسود في أرضية اللوحة , لذا كتب الاسم بالأعلى في حدود اللوحة ضمن الشكل الأصفر ليكون تعبيرا تشكيليا لما أراده العنوان , أي انه اخذ هذا الاسم إلى حدود الشمس في ارتفاعها [5],وتشتمل على علامات سيميائية متعددة تفضي إلى دلالات خارجية تكشف عنها بنيتها السطحية التي تحيل على البنيات العميقة التي تتمثل بالعالم الدلالي.

عتبة العنوان :-

العنوان هو العتبة المقدسة نصيا , فبه يتكثف المتن ومنه يأخذ هذا المتن شحنته التي تبقيه صالحا- وباستمرار- للقراءة بكل أشكالها المواجهة والفاحصة والمنتجة انه النص وعن طريق ضبطه نتمكن من إيصال طرود الانطباع والتأويل بسلامة تلق فاعل , على اعتبار أن العنوان هو الموجه الأساس الذي تسترشد به القراءة عن أخبار النص الأدبي والغاية التي يريدها [6], فهو أداة توجيه مهمة جدا بين الاداوات الأخرى انه تسمية النص, وجنسه وانتماؤه, يعد العنوان أول المعايير التي يقاس في ضوئها – نصيا- مدى الاهتمام بالقارئ, ومدى الاشتغال على إغوائه عن طريق هذه العارضة الاشهارية – العنوان- أي الاهتمام بالقارئ المقصود, المخصوص بالخطاب, الذي – كما يرى وولف- يمثل فكرة النص المركزية التي تشكلت في ذهن الكاتب [7], فالاهتمام بالقارئ يعني الاهتمام بالنص نفسه , لان القارئ هو المتكفل بإعادة أنتاج النص وتشكيله على الدوام, فقد أصبح القارئ مشاركا ومتابعا ومفسرا لكل شفرات النص ودلالاته وفك شفراته انه مبدع ثان للنص [8]0إن نظام العنوان يعمل وفق قوننة غاية في الحساسية, إذ يتبلور النص بموجبه , فإذا كان العنوان طويلا ساعد على توقع المضمون الذي يتلوه,أما إذا كان قصيرا فعندها لابد من قرائن تساعد على التنبؤ بالمضمون [9],ومن الممكن أن يكون دالا صوتيا كان الديوان  يكون (بريد الفتى السومري) للشاعر عدنان الفضلي, أو أن يكون علامة محددة  بنوعها مروية مثلا, أو علامة استفهام, أو على شكل نقاط وعند ذلك يبدأ العنوان عمله بوصفه حسب امبرتو ايكو – مفتاحا تأويليا [10], أو مفتاحا لمدخل الديوان,فهو يختصر الكل, ويعطي اللمحة الدالة على النص المغلق , فيصبح نصا مفتوحا على كل التأويلات [11], وهنا في ديوان (بريد الفتى السومري), وعلى وجه خاص فإن العنونة من كونها تشغل منطقة إستراتيجية في عملية التلقي, هي المنطقة الأولى بصريا ودلاليا, تلك المنطقة التي يحدث فيها التصادم الأول بين القارئ,والعمل الأدبي,وفي ضوء ذلك امتلكت هذه العناصر وظيفة خطرة هي قيادة القارئ إلى جغرافية العمل الأدبي ومنحه مفاتيح استكشافه وإضاءة مجاهله,ولاسيما أن رولان بارت قد وسع مفهوم السيمياء , فلم يعد محددا-كما يرى دي سوسير- بالعلامة اللسانية ,بل بكل ما هو لفظي,أي محاولة تطبيق اللغة على الأنساق , وقد مثلت الهندسة العنوانية عند عدنان الفضلي جملة من الوظائف التي تعد وظائف ترويجية للمحتوى الشعري, ففي العنونة (بريد الفتى السومري) التي تدل على معنيين الأول هو (بريد الفتى), والمعنى الثاني اقرب إلى الشاعر (السومري) لأنه وصل إلى مرحلة أن يقدم إشعاره عن طريق البريد وهي مفردة جميلة استطاع الشاعر ألفضلي تجسيدها في عنونة ديوانه الشعري, ونجد الربط بين العنوان والمتن يتحقق في قصائده  الموجهة للمتلقي, وبعنوانها الداخلي توجيها خاصا , وبذلك يمكن أولا أن نربط العنونة الرئيسة/ الخارجية, مع العنونة الفرعية/ الداخلية , ومن الميثاق التواصلي الذي يعقد في ضوء الارتباط المتين بين العنوان الرئيس, والعنوان الفرعي يتحقق العنوان في ديوان بريد الفتى السومري.

المراجع:

[1] تخطيط النص الشعري : د. حمد محمود الدوخي : 25 0

[2] أدوات التنظيم الشعري : حمد محمود الدوخي : 171 0

[3] ينظر تخطيط النص الشعري : 26 0

[4] ينظر تخطيط النص الشعري : 27 0

[5] م0ن :29 0

[6] سيمياء العتبة الشعرية : د. حمد محمود الدوخي :297 0

[7] ينظر السياق والنص الشعري من البنية الى القراءة : علي ايت :106 0

[8] ينظر  كسر افق توقع القارئ عند شعراء المعلقات : رمضان احمد عامر : 304 0

[9] ينظر معجم السيميائيات : فيصل الاحمر : 227 0

[10] ينظر تخطيط النص الشعري : د. حمد محمود الدوخي : 40 0

[11] ينظر : معجم السيميائيات : 226 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى