خطر النفايات الطبية… وانتشار كورونا
د. أميرة عبد العظيم | مدرس القانون الدولي العام – جامعة الأزهر
هل خطر ببالك يوما أن تكون أماكن رعاية المرضى من مستشفيات ومراكز الحجر الصحي هي بعينها موطن الخطر الداهم على صحة المواطنين؟! نعم .. هذا صحيح .
إن هذه السطور القادمة تكشف عن خطر داهم يهدد الصحة العامة بسبب كيفية التخلص من النفايات الطبية الصادرة عن المستشفيات ومراكز الحجر الصحي ويتبادر إلى الذهن تساؤل مفاده: هل تطبق المنشآت الطبية بمختلف أنواعها، وكذلك المنازل عند تقديم رعاية طبية لأحد أفرادها بنود الدليل القومى لمكافحة العدوى فيما يتعلق بالتخلص الآمن من النفايات الطبية؟ أم يتم إلقاء النفايات الطبية فى مقالب القمامة العمومية لتختلط المخلفات الطبية الخطرة والعادية بشكل عشوائى؟ مما ينشأ عنه من مخاطر لا حصر لها، وقديما قالوا:” من مأمنه يأتي الحذر”.
إن عدم التخلص الآمن من هذه النفايات لا يقتصر على الإنسان فحسب، وإنما يمتد للبيئة، نظراً لأن مخاطرها تصاحبها حتى بعد التخلص منها بطرق تقليدية، مما تتسبب فى انتشار الأمراض والأوبئة. وتهدد بذلك صحة جميع القائمين بالرعاية الطبية وعمال جمع ونقل تلك النفايات وجميع سكان المناطق المحيطة بهم.
فالمخلفات الطبية الناتجة عن أنشطة المستشفيات والوحدات الطبية، والمعامل والمختبرات الطبية تحتوي على كميات كبيرة من المواد الخطرة كالإبر المستعملة والحقن والضمادات الملوثة، وأنسجة وخلايا أجسام المرضي، والعينات التشخيصية والدم والكيماويات وبقايا الأدوية، والمواد المشعة. ولعل خطورة هذه النفايات تكمن في آلية التعامل معها، فما أسهل أن يتعرض العاملين في مجال الرعاية الصحية وجامعي المخلفات والمرضى وغيرهم من شرائح المجتمع للإصابة بالأمراض والفيروسات، فضلا عن أنها تشكل خطراً على البيئة.
ونظرا لخطورة هذه النفايات الطبية فلابد من تطبيق نظام الفصل من المنبع (أسرّة وغرف المرضى) وخصوصاَ المخلفات الطبية الخطرة الناقلة للعدوى، كالمخلفات الملوثة بالدم وسوائل الجسم الأخرى، وبقايا الأنسجة والأعضاء ومخلفات المشارح والمختبرات، ومخلفات المرضى في أجنحة العزل والمعدات الحادة كالمحاقن والإبر والمشارط والممسحة والضمادة والشفرات والمعدات الطبية التي تُستعمل مرة واحدة، وغيرها.
ويهتم الدليل القومي لمكافحة العدوى بطرق التخلص من النفايات الطبية بشكل خاص فيشترط استخدام أكياس مخصصة لكل نوع من النفايات حيث يتم وضع المخلفات الصلبة العادية كالورق والصناديق وأواني الطعام- وهي تشكل حوالي ٨٠ % من القمامة- داخل أكياس سوداء، أما النفايات الخطرة والمعدية والملوثة بسوائل الجسم وما ينتج عن غسيل الكلى ومخلفات التشريح والمواد المشعة ومخلفات الزئبق السام، فتلقى داخل أكياس حمراء يكتب عليها اسم المستشفى والقسم ووزن الشحنة، وتوضع المخلفات الحادة كالمشارط والحقن داخل عبوات بلاستيكية، أو كرتونية منفصلة ومغلقة بإحكام.
كما أن منظمة الصحة العالمية وضعت وثيقة إرشادية شاملة معنونة بـــ “الإدارة المأمونة لمخلفات أنشطة الرعاية الصحية”، تناولت فيها كل ما يتعلق بإدارة المخلفات ومعالجتها، والحد منها إلى أدنى مستوى ممكن وإعادة تدويرها، وتخزينها ونقلها والتخلّص منها.
إلا أنه يوجد الكثير من المنشآت الطبية ـــــ خاصة في الأقاليم والقرى والمناطق النائية ـــــ لا تلتزم بفرز النفايات من المنبع، أو فصلها بغرف وسيطة، ويضاف إلى ذلك عدم الاحتفاظ بسجلات بيئية وسجلات تسليم وتسلّم النفايات، بل تتخلص من النفايات الطبية في أكياس قمامة عادية يتم إلقاؤها في المقالب العمومية.وليس هذا فحسب بل تنشأ أخطار إضافية أثناء التخلص من المخلفات، وذلك إذا تم بطريق الفرز اليدوي للمخلفات الخطرة في مرافق الرعاية الصحية. ولذا يتعرض عمال المخلفات لمخاطر مباشرة للجرح بالإبر كما يتعرضون لمواد سامة، أو ناقلة للعدوى فوفقا لمنظمة الصحة العالمية يقدر عدد الحقن المعطاة في العالم كل عام بما يبلغ 16 مليار حقنة. ولا يتم التخلص بصورة مأمونة من كل الإبر والمحاقن، الأمر الذي توجد معه أخطار الجروح والعدوى واحتمالات إعادة استعمال الإبر والمحاقن مرة أخرى خاصة في تعاطي المواد المخدرة.
وليس هذا فحسب، بل هناك ما يعرف بمافيا المخلفات الذين يقومون بتجنيب فرز المواد البلاستيكية الناتجة عن النفايات؛ تمهيداً لبيعها وإعادة تصنيعها رغم خطورتها الشديدة على حياة المواطنين، الأمر الذي يؤكد وجود تسريب في كمية النفايات الناتجة عن المستشفيات دون التخلص منها بطريقة آمنة. وهو ما يظهر التباين في أوزان النفايات الخطرة المتولدة من الأقسام المختلفة وبين تلك التي يجرى تسليمها لوحدة الفرم والتعقيم، وهذا الفارق بين الأوزان يكشف عن عجز في كمية النفايات الواردة إلى المحرقة، ويدل على وجود تسريب من النفايات الطبية الخطرة إلى العادية. وغير ذلك الكثير من المخاطر المهنية في مرافق التخلص من المخلفات التي لا تصمم على نحو آمن، أو لا تدار بكيفية سليمة وبشكل جيد.
ومع تزايد انتشار فيروس كورونا وسرعة انتقال هذا الفيروس عبر الهواء والملامسة المباشرة للأجسام الملوثة، وبقائه على الأسطح لفترات طويلة كما ذكرت بعض الدراسات العلمية، فما من شك أن هذه النفايات أهم ما ينبغي أن تلتفت إليه الأنظار، فهي أحد أهم الوسائل المساعدة على انتشار فيروس كورونا. فلا شك أن إدارة نفايات الفيروسات التاجية لــــ (Covid 19) يتطلب نظاماً جيداً لإدارة هذه النفايات والعمل على تقييم الممارسات الحالية، وتقييم خيارات إدارة النفايات، ووضع خطط لإدارتها، وتخصيص الموارد البشرية والمالية لتنفيذ هذه الخطط وفقًا لجدول زمني محدد، بالإضافة إلى برنامج التدريب الدوري والمراقبة والتقييم والتحسين المستمر. وبهذا تكون الدولة أكثر قدرة على التعامل مع النفايات الطبية المرتبطة بالفيروسات والأوبئة بصفة عامة.
خاصة أن العلاقة بين ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس وكميات النفايات التي تنتج عنه هي علاقة طردية فكلما زاد عدد المصابين كلما زادت كميات النفايات الطبية سواء من مرضى مقيمين في المستشفيات، أو مرضى في الحجر الصحي المنزلي ولذا لابد من التخلص الآمن من هذه النفايات بالطرق السليمة للتقليل من المخاطر التي قد تسببها تراكم تلك النفايات الخطرة محاولة للحد من انتشار أوسع للفيروس.
فالعدوى داخل المنشآت الصحية من أخطر الأمور التي تؤدى إلى انتشار الأمراض وتؤثر على الدولة بأكملها.
ويتم التخلص من النفايات داخل المنشآت الصحية عن طريق التمزيق، والتعقيم، والحرق. فوفقا لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، ينبغي معالجة النفايات الخطرة في أقرب مكان ممكن، لما قد يترتب على عملية نقل النفايات الخطرة من أخطار كبيرة، خاصة المعدية منها.
وتعتبر عملية تمزيق النفايات الطبية الصلبة قبل تعقيمها خطوة لا غنى عنها؛ لأن ذلك يؤدي إلى التقليل من حجم النفايات بنسبة 70-80 ٪. ثم يتم حرق هذه المخلفات وهناك محارق تنشئها الحكومة بالمستشفيات العامة أوفي أماكن خاصة. كما أن هناك محارق تنشئها جمعيات خيرية أهلية. والمنشآت الطبية التي لا تحوي محارق يفترض بها إرسال نفاياتها الخطرة إلى مستشفيات بها محارق مرخصة من وزارة البيئة بسيارات تحمل حاويات محكمة لمنع تطاير المخلفات، وبعد الحرق، أو الفرم يدفن الناتج في مدفن صحي إلا أن عملية حرق المخلفات على نحو غير ملائم يترتب عليه آثار ضارة بالصحة وتوجد الآن بدائل للحرق، مثل المعقمات العالية الضغط “المعالجة بالحرارة”، والمعالجة الكيميائية… وغيرها.
وتولى مصر اهتماماً كبيراً بنظم مكافحة العدوى والترصد حيث قامت مصر منذ عام ٢٠٠٣م بعمل دليل علمي لمكافحة العدوى لضمان جودة الخدمات الصحية، وتطبيق البرامج الاستراتيجية لمكافحة العدوى، ويعمل مكتب منظمة الصحة العالمية بمصر على توفير الدعم الفني والمادي لتطبيق هذه النظم بالتعاون مع الجهات المعنية.
وساعد هذا البرنامج على انخفاض معدلات انتشار الأمراض بالمنشآت الصحية حيث انخفض معدل الإصابة بالفشل الكلوي من ٢٧. ٩٪ الى ١. ٤٪، وانخفضت نسبة الإصابة بفيروس (C) لـ ٤. ٤٪ وانخفض انتشار فيروس(B) من ٤. ٥ ٪ الى ٣. ٧ ٪، وتبين هذه الأرقام مدى أهمية معالجة النفايات الطبية بشكل سليم.
ويعد القانون رقم (202) لسنة 2020م والخاص بتنظيم إدارة المخلفات، أول قانون في مصر للإدارة المتكاملة للمخلفات بجميع أنواعها، بعد أن كانت تحكمها بعض البنود الخاصة الواردة في قانون البيئة لعام ١٩٩٤م وتعديلاته اللاحقة، ويهدف القانون الجديد إلى إنشاء جهاز يعنى بتنظيم وإدارة المخلفات ومتابعة ومراقبة العمليات المتعلقة بإدارة المخلفات على المستوى المركزي والمحلى بما يحقق الارتقاء بخدمة الإدارة الآمنة بيئياً للمخلفات بأنواعها، وجذب وتشجيع الاستثمارات في هذا المجال من جمع ونقل ومعالجة المخلفات والتخلص منها.
وقد أوضحت وزيرة البيئة تعليقاً على صدور هذا القانون بـأنه:” يعبر عن مرحلة جديدة ومختلفة من التعامل مع مشكلة تاريخية عانت منها مصر لسنوات طويلة بأسلوب استراتيجي قائم على دراسات وجهد كبير من كوادر مصرية واعية لم تبحث فقط في حلول للوضع الحالي، بل وضعت رؤى بعيدة المدى تتسم بالمرونة والقابلية للتعديل وفق المستجدات والتحديات الطارئة، وتضع مصلحة المواطن وصحته والحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة أولوية للمستقبل”.