كيف أصبح الشبان الفدائيون أيقونة هذا الشعب؟

بقلم: عصري فياض

جميل العموري، وضياء حمارشة، و رعد خازم، وإبراهيم النابلسي، وعديّ التميمي، وغيّرهم من قلبهم ومن بعدهم،ممن أخذوا زمام المبادرة، وهبوا لقتال المحتلين،والثأر منهم، بعدما رأوا بشطه ضد ابناء شعبهم صباح مساء،فأصبحوا ايقونة ومثال،نبراسا ونموذجا،حبا يملئ الصدور، وذكر يسكن البيوت، ويستحوذ على الجلسات، وحروف اسمائهم تملئ الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي والدفاتر والمطبوعات والاشعار والمخطوطات… فلماذا كلّ هذا الشغف الكبير؟

الجواب بسيط،ولكنه كبير أيضا،فهذا الشعب الذي لا يرى في قيادته أو قياداته ما يجعلهم متمكنين من القلوب،بل على العكس،كثير منهم ليس لهم مكانة في النفوس،بسبب الاخفاقات الكبيرة والمتاهات المتشعبة والاستكانة والتجارب التي تنفر وتشهد بفشلهم… فمن يحلف باسماء هؤلاء “المسؤولين” قليل،حتى إن معظم المدح والاطراء من هؤلاء القليل نفاق وتشدق لا يمس شغاف القلب،لان هؤلاء المسؤولين في واد والشعب في واد آخر،ولا صلة لوجدان الشعب بما يعبر عنه هؤلاء القادة حتى لو بلغوا كل منصات الدنيا،وأحسنوا الكلام والخطاب.. هم بنظر شعبهم فاشلون، وانتزاع الثقة فيهم ساطعة، حتى اصبحوا اقرب منهم للتندر من الاحترام او التقدير او التصديق،وأصبح أمنية اختفائهم عن المشهد رجاء.

هذا طبعا ترك فراغا في قلوب الشعب التواق للحرية والخلاص،فجاء هؤلاء الشبان والفتية ليملئوا هذا الفراغ بما قاموا به من فعل يشفي الغليل، ويذوب في شعور الفطرة لشعب مقهور،فتجد كل اسم من اسماء هؤلاء قد تحكم في الوجدان وكأنه رسول،وكأنه قائد تلك المرحلة وتلك الايام، ويبقى بمكانته حتى يظهر شاب أو فتى مثله يتصدر حديث الناس،وحديث الجلسات.. كما أنَّ هذه النماذج قد ابعدت الفصائلية كثيرا عن الوجدان،وجعلت من كل واحد منهم فصيلا جديدا وعنوان… لقد سبقوا الفصائل والتنظيمات تماما مثلما سبقوا القيادات.. وقضوا على حاجز الفصائلية،وذابوا جميعا في الكل،دون أي توجس أو غل، فأصبح أي منهم يكمل الآخر، مجسدين وحدة فريدة تصلح لأن تكون حجة على المساعي الكاذبة لإنهاء الانقسام،والمصالحة الحقيقة المرجوة التي يلهث خلفها الجميع منذ عقد ونصف العقد.

ولو أن أحداً قام لتوه في اجراء استفتاء، أو بعد ساعات من إرتقاء أحد من هؤلاء الشباب،وسأل عامة الشعب عن القائد القدوة،لكان الجواب الساحق ذلك الفدائيّ، أما الرئيس والقائد التقليدي النمطي فأظنه لا يحصل على أعشار،وهذه في حقيقة الامر طامة كبرى، فهي تظهر ابتعاد المناهج القيادية عن مطالب الشعب وحقيقة ما يريد، وحتى ولو أظهرت المكينة الاعلامية لذلك القائد من خلال إبرازه الدائم وكأنه الامين على الشعب وثوابته، القادرة على تحقيق الحلم الأكبر بالوسائل الثاقبة التي يراها “بحكمته السديدة”، مع ذلك،حجم التعاطف والحب والألم والانشغال بالشبان الفدائيين الابطال هو أكبر ولا مقارنة،وهو الاضخم ولا مساواة،وهو الاقرب للقلب ولا وصف ولا تشابه.

وعندما ننظر الى تجارب الشعوب الثائرة المناضلة على مر التاريخ،نرى القيادة دائما هي صاحبة الحب والولاء والتقليد والذكر والبقاء في ضمير شعبها،بالرغم من احترام وتقدير فعل ابطالها في مراحل التحرر الكبرى، ومفاصل التاريخ لتلك الشعوب التواقة للحرية،فالجنرال جياب القائد الفيتنامي باقي الذكر بالرغم من ابطال ثورته الذين فعلوا الافاعيل في المتغطرس الامريكي المحتل،والشيخ المجاهد عمر المختار كذلك،وعبد القادر الجزائري وعبد الكريم الخطابي والامام السيد روح الله الخميني والسيد حسن نصر الله.. كل تلك الثورات وما قبلها وما بعدها،يكون اسم قائد تلك الثورة هو الالمع، بالرغم من حجم التضحيات التي يقدمه شبان وابطال وفدائيي تلك الثورات الا عندنا، الشعب والفدائيين المنبثقون عنه يسبقون قادتهم وثورتهم في الفعل والذكر والظهور.

وهذه الظاهرة ليست عابرة بل هي تحوّل، وتحوّل جذري، وليس شعور مرتبط بعاطفة مرحلية تأتي وتذهب،لا بل هي بداية مرحلة تغيير جديدة تنمو بطبيعتها وتغذي نفسها مع بقاء الفعل الفدائي حتى تهدم مفاهيم بالية أرهقت هذا الشعب وأتعبته،وآن آوان رحيلها ورحيل من حاول ولا زال يحاول تمرير فتاتها المستهلك على الناس…

إنهم فدائيوا هذا العصر،القادة الحقيقيون،النماذج الحلم، والأيقونات والمحراب، العنصر الأول في مرحلة التغيير، والعنصر الأخير في تحقيق الهدف، في دواخلهم سر الشيفرة الحقيقية التي ستوصلنا للأهداف الكاملة غير الممسوخة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى