قراءة نقدية في رواية المصرية زينب عفيفي.. معك تكتمل صورتي
منال رضوان | أديبة وإعلامية مصرية
اللوحة للفنان المصري محمد رضوان
صدرت رواية زينب عفيفي عن الدار المصرية اللبنانية، وتدور الأحداث في إطار رومانسي نفسي حول حالة يُوَصَّفُها الطب النفساني بأحلام اليقظة المفرطة، وهي حالة وإن كان قد تم تصنيفها على انها ليست مرضًا فصاميًا غير انها من الممكن أن ترتبط ببعض الأمراض النفسية والذهنية الجبرية والمتسلطة كالفصام أو الوساوس القهرية.
“أحلام اليقظة المفرطة” هو ما تعاني منه فاطمة بطلة الرواية، على إثر فقدانها لشقيقتها منذ سنوات بعيدة لكنها تظل تتماهى معها كالنصف مع نصفه حتى تقرر القيام برحلة إلى باريس لنيل جائزة ما ، تعكس مرايا الروح أثناء هذه الرحلة الكثير من الأحداث كصور ضبابية تختفي حينا وتظهر في أحيان كثيرة.
فاطيما الراحلة هي الوجه الآخر الذي تلتقطه ذاكرة كاميرا الوجدان ويخزنه العقل بلا وعي؛ ويجعلنا نكتشف من خلال تسلسل الأحداث كيف رحلت عن عالمنا وكيف عاشت بنبض فاطمة التي اختلط واقعها بأحلامها طوال الوقت، ونظل حتى نهاية الرواية لا نعرف أيهما الأصدق؟!
حقيقة الحلم أم زيف الواقع.
ولعل الكتابات النفسية تعد الأعقد دومًا لكونها ذلك اللون من الأدبيات التي تترسخ في وجدان القراء ولا تغادرهم دونما تغيير ما قد يطرأ على أرواحهم التي تفاعلت وتشابكت مع الشخوص والأحداث كما تظل محلاً للدراسات النقدية والتحليلات النفسية والرسائل العلمية التي تَلِجُ إلى داخل النفس البشرية؛ تصف خلجات أفئدتها ودفقات مشاعرها وتبرز نوازعها عبر حبكة درامية سيكولوجية لا تخلو من جماليات النص الأدبي.
تقدم لنا زينب عفيفي رواية هادئة من النوع المخملي تركز فيها على علاقة التوأمة بين شقيقتين شُطِرت إحداهما عن الأخرى إثر تعرضها لحادث سير، وما مدى التغيرات التي طرأت على بطلة الرواية جراء ذلك الفقد.
أما عن الرواية؛ فمن حيث الأسلوب
بدت الكاتبة موفقة في تعمد استخدام السرد المباشر مع الحوار الذي ظهر في مواضع محددة. وعلى الجانب الآخر؛ فقد توارى السرد غير المباشر إلا من ومضات طفيفة خيل إلينا أن فاطمة تحدث شقيقتها المنتقلة من خلالها، وهذا ما أعتبره إضافة غاية في الذكاء؛ حيث ان شخصية كتلك تعاني ثمة اضطرابات نفسية وضلالات رؤى؛ لن تمكنها بحال أن تصور لنا عالمها بدقة من خلال السرد غير المباشر.
المفردات سلسة لا تشتت ذهن القارىء الذي ربما أعد نفسه لرحلة رومانسية منذ السطور الأولى تبدأ بباريس وتنتهي عند لوحة زيتية تلخص زينب لنا فيها مضمون فكرتها.
الإطار المكاني
تنوع وثراء لصور وصفية عن أماكن ذكرتها الكاتبة تحديدا كباريس أو لبنان. وبرغم عمق الفكرة غير أن سلاسلة السرد تنقلنا بهدهدات ناعمة غاية في العذوبة ليخيل إلينا انها تمسك بقلم يكتب على ورق حريري حتى في أشد مشاهد الرواية صعوبة، وهو موت فاطيما.دونما الاستغراق في طرح خمار تجارب قاسية أو سقيا الألم لمن عانى تجارب مماثلة، وظني انها وفقت في ذلك إلى حد بعيد. وهنا تم التأكيد على الخواء الذي تشعر به فاطمة من خلال مفردات مثل برج إيفل (وصف الهيكل العظمي العملاق) وهيكل فارغ. قلبان فارغان. وعلى كتفيها العاريين.
كما أجادت التعبير عن حالة التوأمة فيما بين الموت والحياة كوجهين لعملة واحدة من خلال استخدام مفردات ترسخ للفكرة بين الأصل والصورة فظهر ذلك في مفردات عدة مثل الكاميرا والمرايا وزجاج المترو العاكس ونافذة زجاجية ونيجاتيف وغيرها..
في النهاية أعتبر هذا النص الأدبي المتميز تجربة تحمل الكثير من الثراء؛ ينفذ بعمق إلى ذواتنا، فبداخل كل منا يقبع ذلك الجزء من الرغبات المبتورة أو الأحلام المفقودة التي تداعب أخيلتنا وتتقاسم معنا واقعنا دومًا حتى.. تكتمل الصورة.