قراءة فنية في رواية ” التّحرير وطن ” للعراقيّ ضرغام علاوي
قمر عبد الرّحمن | فلسطين
صدرت الطبعة الأولى من هذه الرواية عن دار الرّواد المزدهرة للطّباعة والنّشر في بغداد عام
2020 وكان لي أن تعرّفت على الرّوائي ضرغام عبر مواقع التّواصل الاجتماعي.. وشرّفني بإرسال روايته الأخيرة لي “التّحرير وطن” كعربون وتحيّة لفلسطين العربيّة..
رواية مشوّقة جدًّا.. تصف ظروف الحرب ما بين إيران والعراق بما يسمّى بحرب المدن والتي استمرت لثماني سنوات “ننفق أموالنا لقتل أبنائنا وكلٌّ يدّعي قداسة القضيّة” ص20 حيث يصف هذا المقطع قساوة دفع أبناء الشّعب للتّجنيد الإجباريّ لقتل إخوتهم من الشّعب الآخر، فبعد وقت قصير من حرب المدن كانت حرب الخليج، ومعاناة الشّعب أصبحت لا تطاق ولا نهاية لها، ولو كُتبت هذه المعاناة في ألف رواية، لن ينسى الشّعب حجم الأسى الذي عايشوه.
يطغى على بداية الرّواية حالة الحرمان العاطفيّ والجنسيّ التي يعيشها الشّاب العربيّ، فالتّجنيد الإجباريّ يحرم الشّباب من الحبّ والزّواج والحياة الطّبيعيّة في حروبٍ لا فائدة منها، من أجل الدّفاع عن الشّعارات الرنّانة التي يخلقها بعض السّياسيين ذو المصلحة الأنانيّة الواحدة.. وفي الحقيقة ما هي إلا التّضحية بالأبرياء وشباب الوطن المقاتل لأجل كرسيٍّ دنيء، وما قرأته يُثبت ما أؤمن به “أنّ كلّ الشّعوب بريئة من جشع حكوماتها التي لا تعتبرهم إلّا قرابين للتّقرب من السّلطة والنّفوذ والكرسيّ، هذه -الجمادات- التي يُقتل من أجلها الإنسان كل يوم.. الأحرى أن تُستخدم لأجل الإنسان وليس العكس”.
أظهرت الرّواية حاجة الرّجل العربيّ للمرأة الحقيقيّة التي تعرف متى تكون أمًّا، ومتى تكون حبيبة، وأن تعتنق زوجها في كلّ الظّروف، حيث جسدت الرّواية هذه الظّاهرة بعلاقة خالد وماري، الفتاة الأمريكيّة من أصل بلجيكي التي تعاطفت مع ذكرياته القاسيّة وحظّه المنحوس، عشقته حدّ الجنون واعتبرته صغيرها المدلّل، وكأنّي كنت أشاهد فيلمًا يصف حال الأغلبيّة من أولئك الرّجال؛ فثقافة العيب جعلهم يفعلون العيب.. وثقافة الممنوع جعلت الرّجل والمرأة في بلاد العَرب على حدّ سواء فعلَ كلّ ما هو ممنوع.. وكما يقول المثل العربيّ “كلّ ممنوع مرغوب” الذي لا شكَّ أنّه لم يكن عبثيًّا من أجدادنا بل نبع من (كثرة الممنوع)
الرّواية تدفعك للكثير من الأسئلة.. وللكثير من البكاء والحسرة.. وكان الاعتزاز بالإنسانيّة التي ظهرت بين سطور الرّواية في نفوس الإنسانيّين أمثال بطل الرّواية العراقيّ خالد وصديقه الإيرانيّ زرادشت، التي نشأت صداقتهما العجيبة في الجبهة (الخطّ الدّفاعي الأوّل للقتال) ضمن سرديّة مشوّقة وماتعة.. فروّاد الإنسانيّة كفراشات الرّبيع التي تموت لرؤية النّور والجمال لمرّة واحدة في هذا العالم..
الثّامن من آب انتهت الحرب، هذا اليوم كان بمثابة العيد على الشّعبين الإيرانيّ والعراقيّ للتّخلص من الدّمار، ومن إزهاق أرواح الأبرياء بلا أيّ تهمة.
نجح بطل الرّواية خالد في صبِّ كلّ ذكرياته البائسة لصديقته ماري، استطاع الرّاحة قليلًا.. وبعد سنوات صارت ماري مأمنه وملجأه في الغربة مع صديقه جلال، الذي اقترح عليه أن يتزوّجها بعد تعارفهما العميق كونهما يعيشان بذات المنزل؛ لتحقيق أمنيّة والدته “بأن يكون له طفل” والدته التي توفّت حسرةً عليه باعتقادها أنّه وقع شهيدًا بعد طول غياب في حروب العراق المتلاحقة، حالها كحال جميع الأمّهات آنذاك.
“نحن شعبٌ يعمل سارقيه في مباني حكوميّة” ص 204 هذه الحقيقة البائسة التي تعاني منها الشّعوب العربيّة بلا استثناء.. أبدع الكاتب في وصف هذه المرحلة، وطمع المتسلّقين والمنافقين وتبنّيهم الشّعارات الرّنانة لتحقيق المصالح الشّخصيّة تحت سقف الحكومة، على حساب أبناء شعبهم الذين يعانون الفقر والعوز.
برع الكاتب في شدّ عواطف القارىء صعودًا ونزولًا في الأحداث، حتّى أوصل القارىء لنهاية مؤلمة لم تكن متوقعة لي على الأقلّ، من كثرة جرعات الأمل التي كانت بين سطر وآخر في نهاية الرّواية.
من المآخذ على الرّواية بعض الأخطاء النّحويّة التي كان من الممكن تجاوزها مثل عدم جزم الفعل المضارع بعد “لم”، وتكرار عنوان “كيف يمكن للنّجاح أن يكون لحظة تعاسة.. كلّ شيء في وطني جائز” ص(57-61) لا أعلم إن كان هذا التّكرار مقصودًا أم لا..
وفي النّهاية أشكر الكاتب ضرغام على هذه الرّواية الرّائعة التي جذبتني بأحداثها وأنهيتها خلال يوم ونصف رغم حجمها الكبير 280 صفحة.