الزعرة لها رب ينش عليها

أ.د. هاني الديب| أستاذ بجامعة باكينجهام  – بريطانيا
اعترضت أجهزة الأمن في مصر علي تعييني بوظيفة مدرس مساعد بكلية طب المنصورة عام ١٩٩٥. تركت وظيفتي ورفعت دعوي قضائية للحصول علي حقي في التعيين. في نفس الوقت تقدمت بطلب للتسجيل لدرجة الدكتوراه فرفضت إدارة القسم والكلية آنذاك طلبي خشية إغضاب الأمن رغم أنه حتي المسجون يحق له التقدم للدكتوراه.

تأخر التسجيل لمدة عام حتي حكمت المحكمة بأحقيتي بالتعيين والتحقت بمستشفي الجامعة.
اجتهدت بأقصي طاقتي لتعويض العام الذي فاتني إلا أنني واجهت تعنتا غير مبرر من رئاسة القسم آنذاك وإحدي المشرفات علي رسالة الدكتوراه وكانت عضوا بارزا في حزب مبارك. ومع تصاعد التعقيدات بدأت أفكر في خيارات بديلة.

ذهبت إلي والدي – رحمه الله – وهو أستاذ في جامعة الأزهر الشريف وشرحت له الصعوبات التي أقابلها وأخذت أعدد له خططي للتعامل مع الأمر. خطة ( أ ) سأفعل كذا فإن فشلت فخطة (ب) كذا وكذا فإن فشلت فخطة ( ج ) كذا وكذا وكذا !!!

نظر إلي والدي وابتسم ثم قال (ياعم هاني وماذا تركت لله يفعله إذا أنت عندك خطط لكل شئ؟! يا بني من الجيد أن تخطط لكن لا تتعب عقلك وذهنك أكثر مما ينبغي واجعل ثقتك في الله وتوكلك عليه أكثر من ثقتك في عقلك والأسباب التي تتخذها)

بعد أسبوع واحد اتصلت علي المشرفة الرئيسية علي الرسالة حفظها الله وقالت: (يا هاني من واسطتك) قلت لها أي واسطة ولماذا؟
قالت: (لقد خرجت للتو من اجتماع مجلس الكلية وقد تم ترشيحك للسفر للخارج في بعثة للدكتوراة!)

ذهبت في الصباح لإدارة الجامعة لأستقصي الخبر فأخبرني الموظف المسؤل بأنه كالعادة اختلف أساتذة الجامعة علي شروط الترشيح للبعثات العلمية إما لأن لهم أولاد في الجامعة ويريدون أن يحصلوا هم على البعثات أو لأقسامهم. وبعد نقاشات مطولة انتهوا إلي أن تكون الشروط للبعثات ( ألا يكون قد مضي علي تسجيل الدكتوراه أقل من عامين ولا أكثر من ثلاثة أعوام ثم يكون الترتيب حسب السن) كان قد مضي علي تسجيلي وقتها للدكتوراه عامين وشهر ولولا اعتراض الأمن علي تعييني لكان قد مضي علي ثلاثة أعوام وشهر كما أن تأجيل تعييني جعلني أكبر سنا من أقراني ذاك العام. أي أن الله سخر لي تعطيل الأمن ليغير مجري حياتي ويخرجني من كل مشاكلي مما لم يكن في تخطيطي علي الإطلاق.

رجعت إلي والدي وأخبرته بالقصة كلها فقال لي ( الزعرة لها رب ينش عليها ). قلت له ماذا يعني ؟ قال الزعرة هي البقرة التي ليس لها ذيل. حين يأتي عليها الأذي من بعوض أو غيره ليس لها ذيل تدفع به الأذي عن نفسها. لكن الله يرفع عنها هذا الأذي بفضله. يابني إن الله سند من لا سند له. وتوكل على الحي الذي لا يموت).

رحمك الله يا أبي ورحم موتانا جميعا وموتي المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى