صخب الحظيرة بين ديك مستجاب ودجاجة الجيزاوي
محمد جراح كاتب روائي وإعلامي
فجأة ودونما مقدمات تفجرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها بالطبع موقع (فيس بوك) وقائع معركة أدبية متصاعدة بين كل من الكاتب محمد مستجاب (الابن) والكاتب خليل الجيزاوي؛ وذلك إثر قيام الجيزاوي بنشر قصة قصيرة تدور أحداثها بين عالمي الدواجن والبشر؛ وكان الجيزاوي قد نشر قصته في ملحق أهرام الجمعة الموافق 30/4/2021م وكان عنوانها (زهرة الفول)؛ الأمر الذي استفز مستجاب (الابن) لوجود قصة تحمل الاسم ذاته تقريبًا لوالده محمد مستجاب (الأب) عنوانها (زهر الفول) أي أن الفارق بين العنوانين كان حرفًا واحدًا؛ فهل اتفق مضمون القصتين؟!
في قصة مستجاب كان بطل الأحداث ديكًا وكان مبروكًا بفرمان أحدهم؛ ولكنه مع ذلك كان متغير الأحوال؛ فمن مجرد كتكوت منزو في جانب من الحظيرة إلى فرخ يافع يتزين بالريش الأبيض ذي النقاط السوداء المسماة بلون (زهر الفول) حتى صار ديكًا مكتملًا وقد صار يتعملق في نموه إلى أن أصبح مثل وحش كاسر لا أحد يستطيع الاقتراب منه؛ لأنه يفتك بكل من يراه سواء بالنهش أو الإيذاء البدني؛ أو حتى مضايقة النساء وخدشهن في رؤية وتسلسل خيالي فانتازي رمزي ربما أشارت رسائله إلى فترة من تاريخ مصر المعاصر بكل ما شابها من أفراح وأتراح وانتصارات وانكسارات؛ أي أن القصة كانت رمزية وهي تشير إلى ذلك الزمن الذي تعاظمت فيه قوة ونفوذ البعض فبدوا على غير حقيقتهم وهم يؤذون وينهشون في أقرب الناس إليهم.
هذا عن زهر الفول؛ ديك مستجاب (الأب) المتغطرس الذي كتبه منذ سنوات عدة خلت.
أما دجاجة الجيزاوي والتي حملت قصتها عنوان (زهرة الفول) فقد كانت دجاجة وديعة ومتكيفة مع بيئتها فترضى بما يرمى لها من أكل والذي لم يكن ليخرج في معظم الأحوال عن بقايا مأكل أهل البيت؛ وبعكس ديك (مستجاب) كانت دجاجة الجيزاوي ذات حركة ونشاط حتى كبرت وفاجأها المبيض فباضت وجاء بيضها كبيرًا ومختلفًا في لونه عن بيض أقرانها.
كانت صاحبة الدار الطيبة لا تهتم كثيرًا بفقدان دجاجة أو أكثر؛ وربما أدركت الدجاجة أن لها رسالة في الحياة؛ وأن حياتها لا تعني المأكل والمشرب أو مصاحبة الأخريات للنكش في التراب أو حتى إناخة ذواتهم للديوك كالأخريات؛ ولأنها فهمت ذلك انتظرت أن تقوم صاحبتها بتجهيز وتهيئة الأجواء المناسبة ولأن ذلك الذي انتظرته الدجاجة لم يحدث فقد اختفت هي من تلقاء نفسها وغابت ولم تعد إلى صاحبتها إلا بعد أن أفرخت من بيضها الذي لم يشعر أو يهتم أحد بغيابه؛ وكبر الصغار حتى تحملوا الوقوف على أرجلهم والسير خلف وحول أمهم.
وربما أرادت الدجاجة أن تقول لصاحبة الدار إنها وعلى الرغم من إهمالها لها استطاعت بمفردها لأن تضع البيض؛ وأن تنظم وترقد عليه محافظة حتى أفقس تلك الفراخ الصغيرة وأنك لم تهتمي لغيابي وارتضيت بتفسير أن الثعلب ربما
هو من افترسني فتسبب في غيابي؛ على الرغم من أنني لم أكن أبعد عن موطئ قدميك سوى عدة أذرع قليلة.
القارئ للنصين يجد أن العالم عند مستجاب غير العالم عند الجيزاوي؛ والتفاصيل هنا غير التفاصيل هناك؛ وإذا كان اللون قد تشابه بين كل من الذكر والأنثى؛ أي بين الديك والدجاجة إلا أن بنيان قصة كل منهما مختلف عن الآخر اختلافًا شبه كلي؛ بطل أحداث قصة مستجاب ديك يرمز للرجولة والذكورة والفحولة ولعصر ساد فيه من تسلطوا على الناس بسلطانهم فأذلوهم وأسكنوهم السجون والمعتقلات ومن تحداهم ووقف وفي وجوههم تمت تصفيته فلا مكان له وسط الأحياء!.
وفي قصة الجيزاوي بطلة الأحداث دجاجة ربما أشارت بدلالاتها إلى دور الأنثى أو المرأة في الحياة، فالمرأة خاضت وتخوض غمار العمل وتتقدم الصفوف ولا تبخل بجهدها أو فكرها؛ وهي رغم ما تعرضت له من إهمال استطاعت ليس فقط أداء دورها بل والإجادة فيه؛ فلم تعد هي تلك الأنثى منكسرة الإرادة؛ أو مهيضة الجناح ولكنها اليوم حاضرة ومتقدمة وقابضة على دفة الأمور؛ وتزن كل شيء بميزان عقلها ومخزون حكمتها
في النهاية أقول لابد للعقل من التدخل لوأد هذا الحلاف الذي ولد بلا داع وهو في بدايته ولا أهمية للتقاضي أو غيره؛ فكل شيء واضح ودال لكل ذي بصر وبصيرة؛ فقصة الجيزاوي غير قصة مستجاب؛ ودجاجة الجيزاوي غير ديك مستجاب؛ فلا أثر إذن ولا وجود لأي تشابه أو سرقة أو ما شابه ذلك من تسميات قد تهم الباحثين عن الإثارة ومحترفي إشعال الفتن والحرائق.
للطرفين أقول عودا إلى رشدكما؛ فلا الجيزاوي ساع إلى شهرة أو أنه لا يحسن الكتابة فيلجأ إلى الاقتباس وغيره من الصور المماثلة؛ ولا مستجاب قد ملك الدواجن وأسماءها وألوانها، فصارت ملكًا له، حتى وهو في قبره فلا حق لأحد غيره بالكتابة عنها.
في عالم الإعلام يقولون: إن الأفكار جميعها متشابهة؛ وما يفرق بينها هو طريقة المعالجة بمعنى أن القصتين حتى وإن تشابه عنوانهما إلا أن لكل منهما عالمها الخاص بها ومعالجته المختلفة كلية عن معالجة الآخر.