وعاش لبنان عرشا ما بقي الزمن!
هلال السيابي | شاعر ودبلوماسي عماني سابق
زرت لبنان مطلع 1995 برسالة شفوية إلى سماحة الشيخ رشيد قباني مفتي لبنان حيث أقام على شرفنا الأستاذ بسام برغوث قنصل لبنان الفخري في مسقط مأدبة غداء عامرة حضرها إلى جانب سماحة المفتي رئيسا الوزراء السابقان رشيد الصلح وسليم الحص وكوكبة من علية القوم فكانت هذه القصيدة من وحي لبنان. ..ويومها كانت لبنان مازالت مهدمة بفعل التدخلات العسكرية الصهيونية.
بيروت أين الهوى واللهو والددن
أم أنت مثلي قد ألوى بك الزمن
///
فأين لألاؤك الوضاح من قدم
يكاد تشرق منه البيد والمدن
///
واأين تلك الشموس المشرقات سنا
موائجَ السحر، يغري سرها العلن
///
هذي الحواري أراها جثما ذللا
يمور من جانبيها الضعف والوهن
///
مهدمات على أعقابهن فلا
عين تطل ولا جيد ولا أذن
///
قد ناطحت شهب الجوزاء بمنكبها
واليوم لا منكب باد ولا رسن
///
عرفتهن قديما دون معرفة
لكن بما برقت من نحرها الفتن
///
لا ينفح العطر إلا من خمائلها
ولا تضيء سوى من غيدها الوجن
///
كواكب بسما “العاصي” و “زحلته”
نارت فنور منها الأجمل الحسن
///
وأربع في هضاب الأرز باذخة
تكاد للشهب الزهراء تحتضن
///
روائع تتعالى عن منافسة
كالدر أعوزه التقييم والثمن
///
تبرج الحسن فيها من مفاتنه
كالأفق كشف عنه الغيم والدجن
///
ولاح صبوةَ عز في أرومتها
ونخوة يفتديها الروح والبدن
///
في كل رابية منها نشيد هوى
تصغي إلى وقعه الأحقاب والدمن
///
كأن لبنان لم يخلق لغير سنا
ضاح كما شاءه أو شاءت الفتن
///
لم ترو عنه الليالي غير رائعة
من الجمال، ولما يخبر الزمن
///
قد أورق الحسن في واديه مختلفا
أفوافه فهو فتان ومفتتن
///
سر الجمال بلبنان وريع به
وهل يمور سوى في غصنه الفنن
///
شلت يد ما رعت للحس حرمته
ولا اصطباها جمال فيه مرتهن
///
لبنان جئتك، والأشواق تسبقني
إليك و” المتنبي” القائد الوثن
///
وروح “شوقي” تغريني بصبوتها
إليك وهو بمزهو السنا قمن
///
تركت خلفي دمشق العرب قابضة
على الزناد فلا ضعف ولا وهن
///
ما زال من “آل شمس” في نواظرها
كحل ومن “آل غسان” الألى وسن
///
والنيربان بها أصداء أغنية
تردد النخوة الشما وتمتحن
///
وللقرون على اأنفاس “غوطتها”
قصائد بالنجوم الزهر تقترن
///
بيروت جئتك مختالا فأرقني
ألوان عينيك مختالا بها الشجن
///
كأنما الحسن لم يصنع فرائده
على يديك ولم تورق بك المهن
///
ولا رعتك الغوالي وهي مورقة
ولا فدتك العيون السود والددن
///
ولا القوافي وكم جاشت بسلسلها
للنابغين، وكم دوٌى بها الزمن
///
وأنهر من فرات النثر فاض بها
“نعيمة” والألى من قبله قطنوا
///
فأين ” جبران ” والصداح “أخطلك”
الزاهي وأنجم زهو للسنا امتهنوا
///
وآخر الغر “عقل” دون مفرقه
هام السماء وإن أزرت به الإحن
///
فيا لهذي الروابي لو يصاخ لها
لماد “ثهلان” حزنا وانتخى “حضن”
///
شابت مفارقها حزنا لموقفنا
فليس ذلك ثلجا قط بل كفن
///
لبنان نبئ فؤادي عن غطارفة
زانت بهم مضر الحمراء واليمن
///
و عن عوال، وعن بيض مهندة
وعن خيول تفادى شوطها الوهن
///
أين الألى زحموا شمس الضحى علنا
علما مشعا، و مجدا دونه القنن
///
أين الثواقب من عدنان ما فعلوا
أين السحائب من قحطان والهتن
///
بيروت كيف تمادى الدهر فيك ولم
تمنعه تلك القلاع الشم والجنن
///
جارت عليك صروف الدهر واشتجرت
بك العوالي وأورت نارها المحن
///
وأين عَمريَ أيام مخلدة
بكل كوكب عز منك تقترن
///
فالرائعات هنا والملهمات هنا
والشامخون هنا والمجد والمنن
///
ويح الصهاينة الأشرار ما علموا
أن الصناديد من لبنان لن يهنوا
///
بشراهم سيرون الأرض زلزلة
من اللظى أو يزول الرين والدرن!
///
وإن أرضك يا لبنان موقدة
نارا تسعر اأو يحميهم الجبن
///
وإن لبنان – حيا الله فتيته –
طول المدى مركب للمعتدي خشن
///
عصى على كل سفاح وطاغية
ولم يزلزله لا حقد ولا ضغن
///
وإنما جل في علياء عزته
غابا تباركه الأيام والمدن!
///
“بسام” شكرا لما أسديت من كرم
بمثله سارت الأمثال والسنن
///
جمعتنا برجالات وأعمدة
بهم تضيء العلى أو يسعد الوطن
///
فليس منهم سوى من كالوشيج قنا
وليس بينهم الا الرضى الفطن
///
ضاءوا بمنزلك الزاهي نجوم سنا
من السمو، وضاء المنزل الحسن
///
فبارك الله جمعا أنت كوكبه
وعاش لبنان عرشا ما بقي الزمن!