في اليوم العالمي لحرية الصحافة
توفيق شومان | إعلامي ومفكر لبناني
يوما بعد يوم ، تنحسر مهنة الصحافة في العالم العربي، وقد يأتي يوم قد لا يكون بعيدا، يعود فيه الإعلام العربي إلى ما كان عليه الشعر العربي في الجاهلية وحتى ما قبل منتصف خمسينيات القرن العشرين بقليل، شعر قائم على الهجاء أو الفخر ، على المدح أو الرثاء.
الشاعر كان لسان حال القبيلة ، ولنلاحظ هنا “لسان حال”، أي ليس عقلها ، ولا مفكرها ، وهذا ما يجري عليه الحال في الأحوال الراهنة ، حيث يتقدم ” لسان الإعلاميين الجدد “، على من تبقى من إعلاميين وصحافيين يمارسون المهنة وفق منطق يقول : العقل قبل اللسان .
في محنة الصحافة العربية ، والظاهر أن أمدها سيطول كما طال أمد ” محنة الحنابلة ” ، وأعقبه أمد أطول معروف ب ” محنة المعتزلة ” ، لا يبدو كثيرون على استعداد للخروج من دائرة تتعقب بقايا الصحافيين وترميهم بأي اتهام يحلو لأي لسان قوله أو قذفه ، حتى لو كان عن طريق الشبهة بنقطة أو فاصلة ، او عن طريق الإشتباه بحرف جر في مقال او حوار ، فالتعقب والترصد سمة وميزة اللسان الجاهز دوما ودائما لبث مقذوفاته ومقصوفاته واتهاماته .
نحن الصحافيين نفسر الحدث ولا نبرر الحدث
نحن الصحافين نحلل الحدث ولا نهلل للحدث
هذان العنوانان، يشكلان قاعدة العمل الصحافي، والتحليلي منه بوجه خاص، وأما الإعلام بالحدث، فيعني لنا معشر الإعلاميين ، نقله والإخبار عنه ، والسعي إلى الإحاطة بخلفياته وأبعاده وفق منطق الإستدلال وليس وفق منطق الظن المجرد الذي يفتح المخيلة الواسعة على كل تهويماتها، فتكون النتيجة تشويه الوعي وتزييفه .
نحن الصحافيين ننحاز إلى الخبر وليس إلى صانع الخبر
قد يكون لكثيرين منا ، وجهات نظر مضمرة ومستبطنة حيال فريق ما أو رؤية ما أو قضية ما، ولكن هذا الإستبطان لا يتغلب على أصول المهنة ، لا في نقل الخبر ولا في تحليله ، لا في تعظيمه ولا في خفض شأنه ، وأما صانع الخبر فموقعه في الخبر بقدر الخبر.
نحن الصحافيين نمارس المهنة ولا نمارس الإهانة
قد تأخذ الغيرة بعضنا إلى مكان السوء ، فيسعى إلى امتهان الإهانة، وكلما امتهنها خرج من المهنة ، وغدا مهينا وليس مهنيا ، وقد تأخذ الغيرة بعضنا إلى الشهرة، فينطلق نحو أساليب الإهانة ، وبهذا الإنطلاق يكون قد سلك طريق أصحاب الشهرة وغادر طريق أصحاب الخبرة .
نحن الصحافيين أقرب إلى المؤرخين وأبعد عن الصارخين
قيل فينا في يوم ما، إن الصحافي هو مؤرخ اللحظة ، ولم نقرأ أن احدا قال إن الصارخ هو مؤرخ اللحظة او موثق اللحظة، وحين يقال إننا نوثق اللحظة ، يعني اننا نحفظها إلى من يأتي بعدنا ، نحولها إلى وثيقة ، ولو أمعنا في معنى الوثيقة لعرفنا ارتباط دلالات المعنى بين الوثيقة والثقة .
نحن معشرالصحافيين لسنا مداحين ولا هجائين
يقلقنا نحن الصحافيين اليوم التالي، اليوم الذي يفتح فيه أبناؤنا أو أحفادنا أعينهم ، فلا يرون صحيفة في العالم العربي ، ولا يرون الا شاشات يتقاتل فيها بنو عبس وبنو ذبيان في دواحس وغبروات لا تنتهي ، ولا يرون في وسائل التنابذ الإجتماعي إلا ما قاله الشاعر جرير: نبئتُ تغلب ينكحون رجالهم / وترى نساؤهم الحرام حلالا ، أو ما قاله الأخطل : قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم / قالوا لأمهم بولي على النار.
نحن الصحافيين يقلقنا اليوم التالي
ماذا عن اليوم التالي ؟
ماذا عن صحافة العرب ؟
وماذا عن إعلام العرب؟.