حكايتي مع أبي.. قصة صغيرة
صلاح عويسات – الشيخ سعد – القدس – فلسطين
اغتنيت فجأة،بعد ردح طويل من زمن الفقر،لكن سبحان الله في زمن الفقر كان لكل شيء طعم خاص تختلط فيه البركة بالفرحة،قد يكون عامل الندرة هو المؤثر،كل شيء له وقت لا يأتي في غيره، فالفاكهة التي نعرفها أو باﻷحرى نستطيع شراءها قليلة ،برتقال في الشتاء وبطيخ وعنب وتين في الصيف،لكل شيء تاريخ وحضور واﻷهم أننا نعرف كيف ابتعناه وبأي جهد حصلنا النقود فأحضرناه،يأتي أبي يركب حمارا أبيض عليه “خرج” يضع في كل جهة بطيخة كبيرة،نجتمع بعد الغداء في جو صيفي حار في غرفتنا الواحدة والوحيدة،تحضر أمي البطيخة والسدر والسكين وتضعهما أمام أبي فيقسمها أهلة حمراء ذوات أطر خضراء وبذور بيضاء كبيرة،يتركها في الهواء قليلا وأحيانا كان يضعها في الشمس حتى تبرد – لم يكن أبي يعرف أن التبخر بفعل الشمس يسحب معه بعض الحرارة- بل يقتنع بالسعادة التي يراها في وجوه أبنائه وهم يأكلون حلالا ومن عرق جبينه،وفي وسط سعادته تلك يداعبهم بحزيرة فيقول إشي بتتحلا منه وبتتسلى وبتطعم حمارك منه شو هو؟! فيضحك الجميع فكلهم يعرف الحل
اليوم كل شيء يأتيني بلا جهد ،بيتي الكبير سوق خضار وفواكه ولحوم ودجاج ، تمتلأ البرادات والفريزرات بكل صنف ولون،لكننا لا نجتمع على طعام واحد ،كل منا يعجبه صنف غير الذي يروق لصاحبه،منا نباتي يقاطع اللحوم،ومنا من أهمه كيف يتخلص من وزنه الزائد فيتبع حمية قاسية، فقدنا متعة اﻹجتماع على الطبق الواحد ذو الصنف الواحد ،نأكل منه بمتعة وسعادة…أصبح الطعام سما فمصدره غير معروف وطريق جلبه غير مألوف،وأنا فقط الذي يعرف سبب التحول ذاك،فأنا رجل طماع لا يعجبني أي حال ،كرهت عرق أبي، وزهد أمي ،وكنت أظن أن سعادتهم تلك مصطنعة متكلفة،وكنت أحتقر أبي حين يتبجح برزق الحلال ،وعرق الجبين والبركة ،وأقول في نفسي” قصر ذيل فيك يا أزعر” وأعتبر ذلك سذاجة وهبلا ،لذلك لم أحترم أبي يوما بسبب فقره وعجزه وعدم بحثه عن أسباب الغنى التي بدأت تنتشر حولنا انتشار النار في الهشيم ،فقررت أن أتولى أنا ذلك عنه، وكنت مستعدا ﻷتحالف مع الشيطان في سبيل أن أنافس وأصبح غنيا مرموقا محترما، وهكذا كان فوقعت في الكسب الحرام واغتنيت فجأة،وأصبحت أكره أسئلة أبي عن مالي الكثير المفاجئ، ومقتت نصائحه ومواعظه عن الدنيا واﻵخرة ،فعلم ذلك مني فقاطعني، ورفض مالي ورفض حتى أﻷكل من طعامي بحجة الحرام والحلال ،وهذا لا أخفي عليكم بدأ يقلقني، وخاصة بعد أن بدأ الجميع يتساءلون عن عدم صلتي لأبي وكسبي لرضاه ،وأنا أصبحت اﻵن شخصية عامة هامة أحرص أن أظهر بمظهر أهل التقوى والصلاح مثل غيري وممن هم على شاكلتي!!