مصانع إنتاج النُّكتة!
توفيق أبو شومر – غزة – فلسطين
أوقفَني أحدُهم في أحدِ الشوارعِ، ليسمعني نُكتة من غزة، أعجبتْه، تشير إلى كثرة تبادل الشكوى بين الناس، قال:
اقتسم غزيان الفخرَ بالإبداع والتفوق، فقال الأول: أنا فنان تِشكيلي، وأنتَ فنان أشكيلك!
فابتسمتُ ابتسامة مُجاملة، لأنني كنتُ أعلم أن مصانع النُكَتْ الأساسية هي فقط في مصر، أما غزة فهي في طور تأسيس الصناعات النُّكتيَّة، بسبب كوارثها ونكباتها!
للمصريين براعةً وقُدرةً على استحداث النِكات، والطرائف أكثر من أي شعب آخر، وهم بارعون أيضا في نَحتِ النُّكتة بسرعة البرق.
ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ازدهرت مصانع إنتاج النَّكتة، فأصبحتْ النَّكتَةُ ذات جودةٍ ممتازة، تُشبه صناعة الغَزْل والنسيج فيها، تمكن المصريون وقتذاك من إيجاد التوازن النفسي بين الواقع الذي يحيونه، وبين الأمل والطموح.
أبرزَ الكاتب المصري المعروف، عادل حمودة في كتابه: (النكتة المصرية) بعضَ الطرائف، منها:
“أسمى المصريون المليون جنيه، أو المليون دولار(أرنب)، لأنه يتكاثر بسرعة مثل الأرانب، وأطلقوا على سيارة المرسيدس الفاخرة التي يقتنيها الأثرياءُ المصريون لقب، خنزيرة، وشبح، لأن صاحب السيارة يتصف بما يتصف به الخنزير، من بلادة بأحوال الفقراء الذين لا يجدون قوتهم، وأسمَوْها، الشبح، أيضا، لأن النقود المدفوعة ثمنا لها مجهولة المصدر، أي شبحيَّة!
كما أنهم سَخِروا من ظاهرة انتشار الرشاوى، فقالوا:
إن (الجندي) في لعبة الشطرنج في مصر، لا يتحرك من مكانه فوق طاولة الشطرنج إلا بعد أن يدفع له اللاعبُ خمس جنيهات!”
أما في عصر الإنترنت، صار سهلا لمن يبحث عن الترويح أن يتجول في الشبكة باحثا عن بسمات، وضحكات، وقهقهات!
شكرا لصحيفة، الأهرام القاهرية التي تركتْ للقارئين حرية التعليق على الأخبار المنشورة فيها بلغتهم الدراجة.
اعتدتُ متابعة هذه الصحيفة يوميا، عندما تعوزني جرعات الابتسام والضحك، فأبحث فيها عن طرائفها.
من هذه البسمات ما نشرته صحيفة الأهرام يوم 29/9/2010 في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك. جاء الخبرُ بعنوان: فشل محاولات صيد التمساح في أسوان!
تفصيلات الخبر:
“أثارَ تمساحٌ الذعرَ في جزيرة، بربر بأسوان، فأمر المحافظ بصيده.
قال عنه الخبراء: إن طوله يصل إلى متر ونصف المتر، وهو غير بالغ!
وضع له الصيادون ثلاثة كيلو من اللحم، ليتمكنوا من صيده، غير أنه أكلها، ونجح في الاختباء!
أما تعليقات زبائن الإنترنت على الخبر السابق فكانت:
التعليق الأول: أيوه يا عم، سيدي التمساح، مبروك عليك الثلاثة كيلو من اللحم، بالهنا، والشفا، مطرح ما يسري، يمري، هل تعرف سعر كيلو اللحمة الآن في مصر؟ عليك بالهرب أكثر ليقدموا لك اللحم!!
الثاني: ليه ياربي ما خلقتنيش تمساح؟!!
الثالث: لو لم أكن تمساحا لوددتُ أن أكون تمساحا!
الرابع: هى التماسيح ورارنا ورانا، فى الاقتصاد، والسياسة، وفى النيل كمان، بالهنا والشفا للثلاثة كيلو لحمة، فى غيرك واكل ثلاث أرباع الشعب.
الخامس: يا تمساح حرام عليك ثلاثة كيلو لحمة، ولم تشبع ؟! وكمان طولك متر، أنا عمري أربعة وأربعين سنة، ومرتبي 1500 جنيه في الشهر وطولي 187 سم، ومكتمل جنسيا، بس مش قادر أشتري 3 كيلو لحمة في الشهر.
السادس: كل ما أخشاه أن تكون الحكومة هي التي أطلقت تلك التماسيح الجائعة على الشعب المصري، حتى ترتاح من مشاكله! أستغفر الله العظيم، إن بعض الظن إثم!!
السابع: بصراحة بيني وبينكم التمساح سُرق، ليعملوا بجلده شُنط، وأحزمة، وأحذية، مثل لوحة زهرة الخشاش، التي سرقت من المتحف في وضح النهار!” انتهى الاقتباس.
إنَّ نحتَ وصناعةَ النُّكتة عند الشعوب فلسفةٌ، ينبغي دراستُها في رسائل وأبحاثٍ علمية، لتوضيح مدلولاتها النفسية، والاجتماعية، والأدبية؛
أليست النُّكتهُ إبداعا أدبيا شعبيا، واحتجاجا ساخرا على السلطة الحاكمة، ومحاولة للشفاء من مرض الإحباط، والقهر، والظلم، وغياب الحريات، فهي وسيلة الدفاع السلمية المُتاحة في دول الديكتاتوريات؟!!
مع العلم أن النكتة العربية قسمان، نكتة جنسية مسموحٌ بها، قد توصِّل منتجيها، وناشريها إلى المناصب العُليا، لأنَّها تَسُرُّ الرؤساء والوزراء وتُسعدهم، ونُكتة سياسية محظورة، تُتَداول سِرَّا، تَسجِن ناقليها، وتَكشِف أفكار موزعيها، فهي دليل اتهام ،عند العرب، ضد مؤلفيها، وموزعيها، ومَن يضحكون عليها كذلك!