المخاوف المجهولة

أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري

عندما عاد رواد فضاء السفينتين “أبولو-سيوز” أحاط بهم الصحفيون يتسابقون في سؤالهم، وكان من بين الأسئلة التي وجهت لهم.. هل شعرتم بالخوف في هذا المكان الذي ارتفعتم إليه؟ هل شعرتم بالخوف من الموت؟ فما سفينة الفضاء إلا مقبرة أنيقة، فهل سبب ذلك لكم الخوف؟ ابتسم رواد الفضاء في هدوء يعرفون به وقالوا: إن الخوف ترف عظيم، إننا فقدنا هذه المشاعر، لقد أماتوها بالتدريب الطويل، فقيل: هل طريق العودة مضمون؟ فقالوا: لا يوجد ضمان ولا واحد في المائة، إننا نعلم تماماً أننا موتى، وأن موتنا مؤكد، وأن نجاتنا صدفة! 

يبدو أن رواد الفضاء قد آمنوا بالمقولة العربية القديمة “اليأس إحدى الراحتين”  أما الراحة الأخرى فهي الموت، فهم على يقين من الموت، إنهم كائنات آلية كانت يوماً ما كائنات بشرية.

إن الخوف من المشاعر الإنسانية الطبيعية والتي يحتاجها الإنسان لبقائه والحفاظ على حياته، ولكن الخوف الزائد قد يحيل حياة الإنسان جحيماً. وأعرف من هؤلاء من يستشعر الخوف كأنما اقتربت الأرض من السماء، أو السماء قد انطبقت على الأرض إلا قليلاً.. فهم يتحركون ويتنفسون في مجال ضيق خانق تماماً.

وعندما سئل العقاد عن المرض النفسي الأكثر تعقيداً في حياة البشر فقال إنها المخاوف المجهولة؛ فخوف الإنسان من المجهول قد يكون غير مبرر، والقلق الذي يتحراه الإنسان من أن يصيبه مكروه يعكر صفو حياته.. إنه عذاب من نوع مؤلم، وأذكر هنا ما جاء في الأساطير الإغريقية عندما حكمت الآلهة على شاب اسمه تنتالوس بأن يتعذب إلى الأبد، فأجلسوه على باب كهف وراحوا يسقطون على رأسه حجراً هائلاً ينزل بسرعة ويراه ويصرخ ولكنه يقف قبل أن يرتطم برأسه، ثم يرتفع ليعود إلى السقوط وهو إلى الصراخ وهكذا إلى الأبد. 

ولكن بقليل من اليقين والثقة في قدر الله، وبشيء من التدريب نستطيع أن نتغلب على هذا الخوف الذي يتسرب لنفوسنا، إننا في حاجة إلى ذلك التدريب حتى نغلب مخاوفنا، إننا بحاجة لأن نحيط أنفسنا بعدد من الدروع الواقية من الأفكار العازلة التي تجعل مقاومة الخوف أكثر وأكبر.

وأورد أنيس منصور قصة من رحلته حول العالم عن أساليب علاج الخوف العجيبة اللعب بالخوف بل واسخدامه في التكسب.. حيث رأى في بعض جزر الفلبين تتكسب الأمهات من خلال ما يلقيه السياح من مال يسير في الماء؛ فتغوص الأم التي تحمل رضيعها على ظهرها في الماء لتأتي بهذا المال، وهؤلاء الأمهات يرفضن أخذ أي مال بدون هذا التعذيب، إنهن يلعبن بخوف الناس على أطفالهن، إنهن كسبن مرتين؛ فقد تخلصنّ من خوفهن.. ثم بِعْنَه بعد ذلك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى