قراءة في: (أيقونات على مكتب الذاكرة) للشاعر وليد الزبيدي

محمد جودة العميدي

يتطلع الشاعر الدكتور وليد جاسم الزبيدي الى التجارب الشعرية  الأبداعية التي لم يسبقه أحد في خوضها 0و يعد ديوانه (أيقونات على مكتب الذاكرة) الصادر حديثا عن المركز الثقافي للطباعة و النشر (بابل- دمشق- القاهرة)

وبإشراف الأستاذ الشاعر ولاء الصواف مفاجأة حملها الشاعر إلى قرائه ومتابعيه في الصحافة وفي مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره تجربة جديدة، تجربة شعرية تجمع بين البيوغرافيا (السيرة الذاتية) غير المكتوبة والنص الشعري الذي يتطلب التأويل لمعرفة الشخصية المختارة.

والديوان وما يحويه من بريق المعاني وسحر الكلمات وبانورومات الحياة تثري مفرداتنا وتغني ثقافتنا بخفة ورشاقة، فتمنحنا كنزا ثقافيا ومنظورا فكريا جديدا دون أن نشعر.

تضمن الديوان سبعا وثلاثين أيقونة ولشخصيات وأعلام من مفكرين وشعراء وعلماء وخطباء وفنانين ومن كلا الجنسين ممن تركوا بصمة مائزة في صفحات الحياة، فكان الديوان موسوعة أعلام في مختلف ميادين الثقافة والفكر.

والشاعر الدكتور وليد جاسم الزبيدي –  قدر معرفتي به – يمتلك  تجربة شعرية أصيلة متجذرة في  أديم الشعر العربي يتطلع دوما إلى خوض كل جديد فكان مبدعا قي تجربته هذه عندما بث فيها أنفاسا غير مألوفة آملا أن يقدم رؤيا شعرية مائزة في القرن الحادي والعشرين، فكانت (الأيقونات).

 

وثمة سؤال أراه ضروريا للدخول إلى قراءة قصائد الديوان وهو: كيف اختار الشاعر شخصيات أيقوناته؟ وللجواب أستطيع أن أؤكد أن (العشوائية) لم تكن هي وسيلة الاختيار وأن الشاعر اختار شخصياته بوعي عال مدركا قيمة العمل الإبداعي لكل شخصية وماتركته من أثر وذكرى للأجيال القادمة. 

 

من خلال التقديم الذي كتبته الشاعرة وفاء عبد الرزاق و التقديم الذي كتبه الشاعر ركن الدين يونس  يمكنني القول بأن أيقونات الشاعر وليد الزبيدي هي رؤيا شعرية مائزة وتجربة أدبية جديدة وهي محاولة لاستحضار الغائب  بنصوص شعرية قصيرة شبيهه بقصائد الومضة. وبهذا فإن الشاعر يؤسس لما هو غير مألوف عندما تجمع أيقوناته بين البايوغرافيا والنص الخاص بها.

 

قرأت سبعا وثلاثين أيقونة ضمها الديوان فوجدتها تحفل بالتقانات المستحدثة من ترميز وتأويل متعدد، ولا غرو  أن يكون التجريب هاجسا إبداعيا وراء هذا المطمح  الإبداعي.

إن الانزياحات اللغوية التي كتب بها الشاعر من أجل التكثيف أبعدته عن النثرية المفرطة التي قد تخرجه من فضاءه الشعري.

 ورغم  اعترافي بعجزي عن كشف بوصلة الشاعر الذاتية التي تداخلت مع الشخصيات التي اختارها، بوسعي أن أشيد بهذه التجربة الشعرية الرائدة التي خاضها الشاعر ومحاولته  الخروج عن المألوف في كتابة الشعر.

 

يبدو الشاعر الدكتور وليد جاسم الزبيدي في ديوانه شاعرا افتراضيا، لم يعش الحياة الحاضرة فقط، بل حياة الماضي أيضا، وباختياره لهذه الشخصيات كان الشاعر يهدف إلى تحقيق اقتراب كبير من القراء ويهدم الكثير من الحواجز التي يبنيها التأمل والفنتازيا اللغوية والمجازات الصعبة التي هي غالبا ما تجعل الشعر جوهرا خاصا صعب المنال.

 

تجمع الأيقونات شخصيات محلية وعربية وعالمية مما تؤكد إيمان الشاعر بفكرة ومبدأ تفاعل الحضارات والثقافات الأنسانية وليس بمبدأ صراعها، فكانت:

 

  • أيقونة أبو القاسم الشابي – الشاعر التونسي الصوت الهادر في أمة العرب يعلمهم (إرادة الحياة).
  • وأيقوتة الشيخ الدكتور أحمد الوائلي عميد المنبر الحسيني صاحب الخطاب الديني المعتدل الرافض للتوظيف السياسي للدين.
  • أيقونة أدونيس (علي أحمد سعيد أسبر) صاحب (الثابت والمتحول) وصاحب الشاعر يوسف الخال وشريكه في (مجلة شعر).
  • أيقونة أم كلثوم (فاطمة بنت الشيخ أبراهيم السيد)، كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي.
  • أيقونة أمل المدرس ذات الصوت الرخيم ، مذيعة جيل الرواد، تذكرنا بـ (نادي الإذاعة) و(عشر دقائق) و (نافذة على العالم).
  • أيقونة بدر شاكر السياب – الشاعر البصري (أبا غيلان) صاحب (أنشودة المطر) و (شناشيل أبنة الجلبي) و (منزل الأقنان).
  • أيقونة جبران خليل جبران – شاعر المهجر – الشاعر الرسام و الكاتب اللبناني.
  • أيقونة جبر علوان التشكيلي المحاويلي الذي خلط الألوان و أحسن عمل فرشاته وحاز على جائزة بلدية روما.
  • أيقونة جميل صدقي الزهاوي –شاعر العراق الداعي لتحرير المرأة 0
  • أيقونة السيد جودة العميدي ، الخطيب الحسيني المعتدل الذي يذكر بمأساة واقعة الطف في كربلاء. 
  • أيقونة رامبو ، الشاعر الفرنسي الذي وصفه فكتور هوغو بأنه (طفل شكسبير) لأنه مات في عقده الثاني.
  • أيقونة زها حديد ، المعمارية العراقية التي شيدت صروحا للبناء والعمران في انحاء العالم.
  • أيقونة عبد الأمير الحصيري، الشاعر العراقي، أمير صعاليك بغداد، الذي كان يردد (أنا الشريد).
  • أيقونة عبد الباسط عبد الصمد، القارىء المصري لكتاب الله العزيز تجويدا و ترتيلا.
  • أيقونة غاليلو غاليلي، الفلكي الإيطالي الذي دفع حياته ثمنا لأنه قال بـ (كروية الأرض).
  • أيقونة فاتحة مرشيد، طبيبة الأطفال المغربية عاشقة الأدب، لها مجموعة شعر (تعال نمطر)، عضوة اتحاد كتاب المغرب.
  • أيقونة فيروز، ( نهاد رزق – أم زياد)، تغريدة الصباح، المغنية اللبنانية التي تحفظ في ألبومها 800 أغنية.
  • أيقونة كامل الدباغ، وهو يحمل آخرأخبارالعلم التكنولوجيا في (العلم للجميع) بصحبة (قدامة الملاح).
  • أيقونة لويس أراغون، الشاعر الفرنسي، عاشق ومجنون ليزا، كمجنون ليلى في أدبنا العربي.
  • أيقونة مؤيد البدري، صاحب (الرياضة في الأسبوع)، وصاحب التعليق الرياضي الجميل الذي ينتهي بتسجيل هدف.
  • أيقونة المتنبي، شاغل الناس، القائل ( أسألوا ابن جني فإنه أدرى بشعري مني)، ونقول لقاتله (فاتك بن جهل) لماذا أسدلت ستار الشعر؟
  • أيقونة الجواهري، شاعرالعرب الأكبر، كفيل الجياع، الذي أنكروا جنسيته فكتب قصيدة (يا ابن الزنا) مات في المنفى وهو يلقي (يا دجلة الخير).
  • أيقونة مصطفى جواد، الذي علمنا الصائب من الكلام في رحلة (قل ولا تقل)، كان هدية ديالى لنا.
  • أيقونة مظفر النواب، الشاعر المناضل الذي ارتقى قطار الليل ليمر بـ (حمد)، لتصبح رحلته أجمل أغنية سمعناها.
  • أيقونة الرصافي الجرىء الذي شتم الفاسدين من السياسيين بقصائد حفظتها الأجيال لتقولها للفاسدين في كل زمان.
  • أيقونة نجيب محفوظ ، الأديب الأروع في أرض الكنانة الذي تروق له نوبل، يذكرني بـ (اللص والكلاب)
  • أيقونة نزارقباني، الشاعر الذي عشق العراق وحبيبته العراقية، فكنت قرأت له (لاتزال بلقيس).
  • أيقونة نصير شمة، أبلغ من أدى (الصبا) ممن احترفوا  الغناء وأطرب الجميع.
  • أيقونة وفاء عبد الرزاق، القامة الأدبية العراقية شعرا وقصة، توا أنهيت قراءة (حاموت).
  • أيقونة عبد الجبار عبد الله، من أسس جامعة بغداد، المعين الذي لاينضب إلى الآن.
  • أيقونة عبد الله البردوني، الشاعر اليمني الذي قصد الموصل ليحصد جائزة من جوائز مهرجان أبي تمام.
  • أيقونة عبد الوهاب البياتي، شاعر الغربة والمنفى، ومؤسس مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق.
  • أيقونة لميعة عباس عمارة، الشاعرة الصابئية المندائية، ابنة خالة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.
  • أيقونة سعاد الصباح، أديبة الكويت، وناشرة الثقافة من (دارسعاد الصباح) المعين الذي لاينتهي.
  • أيقونة محمد مفتاح الفيتوري، شاعر السودان وشاعر أفريقيا، يا من زين صدرك الوسام الذهبي السوداني للفنون والآداب.
  • أيقونة الحلاج، المتصوف الذي لم يفهمه قومه  أهل  واسط  حتى رموه  بالزندقة.
  • أيقونة ناظم حكمت، الشاعر التركي صاحب القصائد الممنوعة في الداخل والمناضل الشيوعي الذي أودعته قصائده السجن.

        تسير الأيقونات بخطين متلازمين من فكر وفن شعري أندمجا ليقربا نصا شعريا الى المتلقي. وهدف الشاعر هو أن تستقطب القصيدة  وعي المتلقي،  فلا يفصل بين النص الشعري و الشخصية المختارة. 

       تناولت أيقونات الشاعر وليد الزبيدي (الأنثى) وفق مفاهيم ورؤية المجتمع الذكوري، لكنه وفق في أختصار

       قيمة المرأة  في أيقونات نسوية  فكانت أيقونات: (أم كلثوم) و( أمل المدرس) و(زها حديد) و(فاتحه مرشيد)   
       و (فيروز) و (وفاء عبد الرزاق ) و(لميعة  عباس عمارة) و ( سعاد الصباح ).

 

        استعمل الشاعر وليد الزبيدي لغة بسيطة في تقديمه لهذه الأيقونات واستعمل مفرداته التي تحضر لتوه فيكتبها مثلما يلفظها، فيظهر النص الشعري للقراء وكأنه حديث يومي، وهذا لم يمنعه من كتابة النص الشعري الموزون  والنص المقفى المتقن.

تنبع جمالية  النصوص في المسافة بين  العرض الظاهر و الجوهر المختبىء.  ما يميز نصوص الديوان هي النزعة العقلية والشغف الفكري. وهذا الجانب الذي يبدو جليا وواضحا يعلله النقد والنقاد بعدة اسباب 

في مقدمتها  اتساع ثقافة الشاعر الذاتية.

     

حازت نصوص الديوان  كل أسباب النجاح متمنين تعميما للتجربة ليكتب بها شعراء آخرون في القابل من الأيام. هذه قراءتي لقصائد الديوان، تاركا  النصوص لقراءات أخرى من قبل الآخرين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى