قراءة أسلوبية في رواية ” بلد المنحوس ” لـ ” سهيل كيوان “

بقلم: د. روز اليوسف شعبان 

الرواية من إصدار مكتبة كل شيء (2018) تقع الرواية في 325 صفحة. يفتتح الكاتب روايته بوصف عكا قبل الاحتلال، فيصف أمسياتها الجميلة في مقهى الدلالين، الرجال يصغون إلى الحكواتي وسرده للحكايا والقصص والشعر والكلام المسجوع “ونهفات” عديدة يرويها الحكواتي بهدف الدعابة والضحك. إضافة إلى وصف أمسيات العزف على الربابة والشبابة وغيرها .. فتبدو الحياة في عكا آمنة وادعة.

لكن هذا الهدوء ينقلب إلى صخب وهم وغمّ ودمار وبث الرعب في نفوس المواطنين، وذلك بعد سقوط عكا بيد الجيش الاسرائيلي، حيث عملت مجموعة من اليهود المتطرفين إلى تضييق الخناق على عكا واغتصاب النساء، وإزعاج المواطنين بأصوات أبواقهم بهدف ترحيلهم، لكن المواطنين العكاويين يتمسكون بعكا ويستبسلون في حمايتها، رغم ذلك تتمكن قوات الأمن والموساد بتشغيل بعض الشباب معهم وشراء البيوت من أهالي عكا لصالح اليهود. منهم العميل مخلوف افندي وابنه رسمي.

مقابل ذلك يصوّر لنا الكاتب وضع اليهود في مدينة وارسو في بولونيا، من خلال أسرة يهودية (عائلة يوهان هيرش)، وما تعانيه من معاملات لا سامية وانتهاكات لحقوقهم ، الأمر الذي دفعهم للتفكير في الهجرة إلى فلسطين.

وفعلا يصل راشنسكي الذي انتحل شخصية ابن خالته ايزاك، والذي قتله البولونيون عندما تصدّى لهم عندما أرادوا اغتصاب اخته، مما أدى الى ذلك الى مقتله بطريقة وحشيّة.

يعمل راشنسكي(ايزاك) مع الجنود البولونيين، ويشي لهم عن تواجد الأسر اليهودية، كي يثقوا به ويساعدوه في الهجرة الى فلسطين.

يصل راشنسكي(ايزاك)، الى فلسطين ويرتقي الى رتبة ضابط في الجيش الاسرائيلي ويمارس أعمال القتل والاغتصاب والعنف، تماما كما فعل البولونيون باليهود.

ينتهي المطاف بايزاك في ادخاله الى دار المسنين وهناك يلتقي بحبيبته السابقة ريبيكا وهي ابنة خالته التي تكشف حقيقته ومن انه راشنسكي وليس ايزاك.

محاور أساسية برزت في الرواية:

1- العلاقات الاجتماعية والثقافية في عكا في سنوات الثلاثينات والاربعينات. الحكواتي وما يرافقه من سرد ممتع يشد السامعين.

2- الحياة الثقافية والموسيقية

مدرسة لتعليم العزف للمعلم قدورة الذي كان يعشق الموسيقى، وناجي الناياتي الرجل الفقير الذي كان يصنع النايات ويبيعها ويعلم طلابه العزف.

3- الحياة السياسية:

يذكر الكاتب قرار تقسيم فلسطين:” كانت عصبة الأمم قد اتخذت قرارًا بتقسيم فلسطين إلى دولتين، لإسرائيل حوالي سبعة وخمسين بالمائة من مساحتها، وحوالي اثنين وأربعين بالمائة لفلسطين، وتبقى القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية”.ص 64

لكن العرب رفضوا التقسيم:” وبدأت العصابات المسلحة الصهيونية، بطرد عائلات عربية من المناطق التي أقرّت للدولة اليهودية، بقوة السلاح، وبدأ الجميع يتحدثون عن الحرب” ص 64.

ثم يصف لنا الكاتب سقوط عكا:” ثم أتت المفاجأة من البر، من جهة تلّ الفخار- نابليون- من الشرق، تساقطت القذائف على البلدة قبيل الفجر، فحدثت فوضى كبيرة، تهدّمت بعض المنازل، وقُتل وجُرح العشرات، تراجع المقاومون من عدّة نقاط في حي الرشادية، جارّين معهم قتلاهم وجرحاهم وتمترسوا في مركز الشرطة الانجليزية الذي فجّرته قوّات الهاجاناة”. ص 67.

“بعد سقوط عكا واستسلام أهلها، دخل اليهود من البوابتين، طلبوا تسليم السلاح وجمعه في ساحة الميناء، ثم انقضوا على المدينة قتلًا واغتصابًا طيلة يومين، فهرب من استطاع عن طريق البحر، ومن المنافذ الممكنة المتاحة”.ص70

أما من بقي منهم فقد قاموا بإذلالهم وتعذيبهم كما فعلوا مع الحاج زيدان الذي جرّوه بعنف وعرّوه من ملابسه وكوفيته فوقف ذليلًا منكسًا والدم ينزف من جبينه. ص 70.

4- شخصيات وطنية في عكا

يمثل بيت أمين الزيداني الوطنية الشريفة التي حاولت السلطات الاسرائليّة زعزعة ثقة الناس به، وذلك بعد توريط ابنه شكري في تدليك ظهر الجندية بات شيبع واتهامه بالتحرش الجنسي بها، ومن ثم الزامه على الاعتراف بذلك وتعيينه معلما للموسيقى في بلدتي جديدة والمكر، الأمر الذي جعل الاهالي تشك في وطنية والده امين الزيداني وتبتعد عنه، ففي تلك الفترة كان يتم تعيين المعلمين المتعاونين مع السلطة.

من جهة أخرى يصوّر الكاتب تجنيد الموساد للعملاء مقابل ترقيات وتعيينات وجوائز بائسة.

5-شخصيات نسائية

برزت في الرواية شخصيات نسائية متنوعة منها المرأة الشريفة الأبيّة مثل الخياطة زهرة التي تعرضت للاغتصاب من قبل جندي اسرائيلي،

والمرأة الوطنية القويّة مثل نجمة الزيدان زوجة أمين الزيدان التي قادت نساء البلدة في الامتناع عن معاشرة أزواجهن حتى يقوم الرجال بإبعاد اليهود المتدينين الذين يزعجونهم عمدا بأصوات أبواقهم.

وهناك المرأة الخائنة مثل جملات السيّد التي كانت على علاقة مع العميل رسمي المخلوف رغم علمها أنه متزوج، كما تعاونت معه في بيع بيتها وحصتها من الميراث لليهود.

شخصية بات شيبع اليهودية التي أحبت اوريا ، وأخلصت له، لكنها حين علمت بقصة اغتصابه للخياطة زهرة، ابتعدت عنه ورضخت لتحرشات ايزاك بها ووقعت في حبائله، كما ساعدت في توريط شكري الزيدان حين دعته الى تدليك ظهرها، واستغلت هذه الحادثة لتعيين شكري معلما للموسيقى بهدف تشكيك الناس في وطنية والده.

6- محور اليسار الاسرائيلي المتمثل بالاشتراكية وحزب العمال الاسرائيلي وجمعيات للدفاع عن حقوق الانسان، والتي يقف على رأسها الضابط يوناثان (المثلي):” حذّر الضابط يوناثان أولئك الذين يزرعون الكراهية، مؤكدًا على سعيه بتحقيق العمل والمساواة، لجميع مواطني المدينة والبلاد، على أسس من الحب، واحترام حقوق المواطن…”.ص180.

7- اذلال المواطنين العرب في حواجز التفتيش التي أقامتها السلطات على مداخل القرى:” يدخلون ويخرجون بصمت، مثل قطيع ماشية، وبين فينة وأخرى يتوقف سير الطابور، للتدقيق بأوراق أحدهم، أو بسبب تذمّر أحدهم، الأمر الذي يؤدي لمعاقبة الطابور كله بتأخيره”.ص293.

8- اللغة في الرواية:

استخدم الكاتب لغة سلسة سهلة يكثر فيها التناص ، فنجد الكثير من القصائد والأغاني التراثيّة، والدينيّة( من العهد القديم)، كما استخدم الكاتب الحوار بين الشخصيات، فتارة يكون الحوار باللغة الفصحى وأحيانا بالعامية، ولا يخلو من لغة عبرية مترجمة وخاصة الايديش التي تكلم بها اليهود في بولونيا.

كما نجد في الرواية حوارات داخلية( مونولوج)، والتي تهدف إلى سبر غور أعماق الشخصية ومعرفة ما يعتمل في داخلها من اضطرابات وصراعات كما نجد في الحوار التالي لجملات:”أعرف أنّ قدورة يشعر بأنني عبء وعار عليه، منذ كنا أطفالا، اتفقنا أن نصير زوجا وزوجة، لكنه عندما كبر، فضّل عليّ امرأة أخرى… عندما تكون البنت حلوة يتقاتل عليها اولاد عمها ويمنعون اقتراب أحد لخطبتها، لكن عندما لا يعجبهم جمالها تصبح مثل الأخت….”.ص 41.

9 – السرد في الرواية:

تعدّد السرد في الرواية، لكننا نجد معظمه بضمير الغائب وهو السارد العليم بكل شيء، وتارةً بضمير المتكلم مثل سرد جملات ص 41.

إجمال:

رواية البلد المنحوس تروي قصة النكبة الفلسطينية من خلال أحداث تدور في مدينة عكا، وكأن عكا تختصر فلسطين كلها. فهل عكا المنكوبة هي بلد المنحوس؟

ولماذا اختار الكاتب ان يسرد قصة اليهود في بولونيا؟

هل تعمّد الكاتب إظهار القصة الفلسطينية التي تروي حكاية شعب عاش بأمان في وطنه، مقابل القصة اليهودية التي بحثت لها عن وطن آمن هربا من النازية واللاسامية في اوروبا؟ وهل يمكن بناء على ذلك القول انه لو لم يتعرض اليهود الى سياسة اللاسامية والنازية، لم تقم دولة اسرائيل؟ ولم يكن لها وجود أصلا في أذهانهم؟

وهذا يقودنا أيضا إلى التفكير والتساؤل ما هو الوطن؟؟؟

ولماذا قرّر ايزاك إجراء عملية الختان؟ ولماذا أراد أن تجريها له امرأة عربية؟

وهل فشل عملية الختان يشير ربما إلى خلل في الفكر والايديولوجيا الصهيونية؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى