ترانيم قاسية على لحن موج مضطرب

بقلم : عصري فياض

أعصاب ألفلسطيني ليست كأعصاب باقي البشر  والخلائق فقد تكون  كالحديد، أُنزلت من ألسماء ،فيها بأس شديد ومنافع لأصحابها… وللناس…لأنها أكثر قدرة على التحمل…ومقاومة العوامل والتقلبات…رغم ذلك يصرخ صاحبها… ويئن .. ويتوجع …. وينتظر الخلاص…

نُكِبْ، فثار، كما هي سنة الحياة الإنسانية التي بثها الله في الإنسان وفي نواميس الكون، فالله الخالق الذي خلق آدم، تمهيدا لظهور محمد، اختار سبط محمد ٍ وأحب الخلائق إليه ليكون أيقونة الانسانية في الثورة على الظلم،الحسين هليه السلام الذي تُجْمِعْ كل الثورات الحديثة والقديمة التي جاءت بعده أنه زيت طاقتها، ووقود شعلتها، والأنموذج الأعلى والأبقى لمسار  ديمومتها..

نُكِبْنَا فثرنا، وكانت المخيمات ووجع الشتات والتغريب منطلقاتنا، والحق لواؤنا.. ثرنا، وكانت القشعريرة تسري في دمنا وتهيج جلودنا وتقف الشعر على أجسادنا عندما كنا نسمع صوتهم أو نرى آثار فعلهم، أو عندما تلهج الالسن في ذكرهم….

لكن أخذهم الوهم كثيرا في مراهناتهم على  نصرة هذا العالم ألظالم، قد يكونوا نهجوا ذلك النهج من قلة الناصر، وتآمر الاخ والشقيق، أو إنخراط المتسلقين والمنافقين والكذابين، لكن ليس مبررا ما فعلوه، راهنوا على ألتسويات وأغروا في الرهان حتى غرقوا في “المحرمات”… وأحلوا الحرام، وحرموا الحلال…. فباعوا كثيرا من النفائس من أجل مشروع رسمه لهم وهم الخداع، والمراهنات على عداله وهمية في الكون… ولم يتعضوا بتجرابهم وتجارب الغيرـ فأصبحوا ضاغطا ثقيلا على العصب الفلسطيني بدلا من أن يكونوا عاملا مريحا له…

ظلوا فأظلونا معهم، وأصبحت مسيرتهم مبكية مضحكة باختصار إنقلبت الصورة انقلابا حادا، حتى المفاهيم تشقلبت، وأصبحت مفاهيم مبادئ الأمس منكرات الحاضر، وقيم البارحة، مفاسد اليوم……وحوار كانوا يقيمونه بالأمس بالرصاص، استبدلوه اليوم بعناق من فرط تنفيذه وحرارته، يحرك الدموع في بعض المآقي، وكأنهم قد ندموا على منهجهم السابق،وتابوا، وتمسكوا بـ”ا لهدى ” الجديد …كله من أجل مشروع واهم سلكوا من أجله  شارع مليء بالحفر اسمه شارع “السلام”، لا بداية له ولا نهاية، موشح غريب مظلم كئيب….

تركوا كل ادبيات ألماضي ومن يدعمها أو يتكلم بها، ونعتوه تارة بــ” العنتريات ” أو الشعارات أو المزاودات أو الكلام الفارغ الذي لا يسمن من جوع…

وهذا الفلسطيني الذي كادت أعصابه الحديدية أن تنفذ من أذنية ولسانه وشفتيه،وكل جوانحه وجوارحه، لا يعرف كيف سينجو من هذا العصف الهائل على نفسيته المتوترة بفعل الاحتلال وممارساته، أو تنكر العالم والأشقاء، أو المراهنات التي تجره مرغما نحوها ونحو اجبارة للتصديق بها وإتباعها وحتى الدفاع عنها…

ماذا يفعل المسكين الذي يصارع الثلاثية الصاخبة والقاسية التي تضرب على اعصابه ليل نهار؟ هل تنفك عنه واحدة منها على الأقل قبل أن ينهار؟ أم أنهن لا تتوقفن عنه حتى تنزع روحه وتسكت انفاسه للابد ؟

إن مواجهة المحتل، والعالم الظالم الكاذب ألمنافق ومشاريع الوهم  والسراب، تستنزف الوقت والأرض والمقدسات والجذر والبقاء….أمر قاسٍ وعظيم وكبير، وصعب وثقيل، لا تحتاج أن يبقى الفلسطيني لوحده في الميدان، بل لا بد من الاتكاء على حائط يحمي الظهر، ويشحذ النفس، في سماءه تلتقط الأنفاس ومن جعبته ينهل الدعم وفي عمقه أمل في إحداث التوازن والردع….

فالفلسطيني، الذي يعض على حقوقه بالنوجذ، جدير به أن يلقى الدعم والمساندة بكل اشكالها حتى يبقى شوكة حادة في حلق عدوه وظلم الامم المستكبرة له ، ويبدد السراب والوهم من أمامه حتى يرى الحقيقة كما هي، والوقائع بأوضح صورها، وينجو، ويقطع الموج الهائل  المتلاطم حوله بطبقاته الثلاث نحو شاطيء التحرير الكامل والعودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى