بقلم : عماد خالد رحمة
صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق كتاب (البقع الأرجوانية في الرواية الغربية) للأديب والباحث الفلسطيني حسن حميد، يتناول فيه أهم الأعمال الروائية التي أنتجها الغرب أمثال: دوستويفسكي 1821 ـ 1881 /ميغل سرفانتس 1547 ـ 1616 / مارسيل بروست 1871 ـ 1922 فرانز كافكا 1883 ـ 1924. وجيمس جويس 1882 ـ 1941 هادفاً من دراسته تحقيق جزء من المراجعة النقدية لكل عمل أدبي قدّمته إلينا الترجمة العربية من أجل التحقق من أهميته أو عدم أهميته وفق رؤانا وعبر ثقافتنا وتأويلاتنا. رافضاً ما تقوم به بعض الترجمات بشكل أعمى داعياً إلى إعمال العقل تنقيباً وحفراً وتأويلاً ونقشاً جديداً في الذاكرة العربية، لذا فقد أعاد الباحث قراءة هذه الأعمال وغيرها قراءة جديدة متفحصة اعتمد خلالها على تفكيك عرى النسيج الروائي الغربي بعيداً عن التأثر بالآراء النقدية الغربية، خاصة أن الباحث حميداً أكد منذ بداية عمله أنه يقتحم بدراسته هذه خفايا عوالم أهم الروائيين الغربيين الذين تركوا أثراً هاماً في فن الرواية الغربية، والمنتمين إلى أزمنة وأمكنة متباعدة ومختلفة، وتجمعهم قدراتهم الإبداعية المتميزة وخصوصية مواضيعهم التي طرحوها، والتي بموجبها يقف الأستاذ حميد وقفة صارمة قاسية أيدّه فيها العديد من الأدباء والمثقفين مؤكداً. ألا وجود لخطوط حمر في الأدب، كما لا توجد أبواب مغلقة أمام البحث. من هنا جاءت هذه الدراسة الهامة لتكشف عدائية هذه النصوص للعرب والمسلمين. معتمداً على أمرين اثنين، الأول: هو الليمون (إبداعات هؤلاء الأعلام)، والثاني: (العصارة) أي ثقافة الباحث الواسعة وقراءاته واستنتاجاته. لذا فقد استهل الباحث دراسته بقراءة السيرة الذاتية لهؤلاء الكتاب وكيف تمكن كل منهم كتابة أعماله. كما قام بتفكيك بنيان كل رواية كاشفاً خفايا كل عمل وما يتضمن من موقف عدائي واستعلائي ضد العرب والمسلمين والمسحيين.
فالروائي الروسي دوستويفسكي والذي يعتبره الباحث حميد أنه من الكتّاب الشَّجَرة الذي يشد نصه القارئ حتى النهاية ويولد عنده الأسئلة والقلق، والتفكير، والهموم، والرغبات، والأحلام، واللوثات، والحزن، والخوف، والهواجس، والأسرار… الخ كروايته (مذلون ومهانون) و(حكاية في تسع قصص) و(الفقراء) و(المثليل) و(المقامر)، أما رواية (الفقراء) فقد اعتبرها الباحث حميد هامة لتطرقها إلى مواضيع اجتماعية هامة تحدث داخل المجتمع الروسي من مآس وآلام ومظالم. وقد بين دوستويفسكي دور اليهود الذين يتحكمون بمصالح الناس المسحوقين الروس خاصة اقتناعه بأن اليهود يمارسون الاستعلاء والمنهجية ضد أبناء جلدتهم من الروس غير اليهود، ويعاملونهم معاملة العبيد حتى إن أغنياء اليهود يمارسون الاستعلاء على فقراء اليهود أنفسهم. لذلك كان نتاج دوستويفسكي (المسألة اليهودية) الذي بين من خلاله أن عدداً كبيراً من اليهود لا يريدون العيش في الوسط الروسي متخلين عن عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم الدنيوية الروسية فدينهم يمنعهم من أن يأكلوا مع الآخرين أو أن يشاركوهم الطقوس الاجتماعية.
لقد استطاع الباحث حميد في دراسته تلك الكشف عن أفكار دوستويفسكي التي أوضحت أن اليهود يصنعون (دولة) داخل الدولة الروسية. وهذا الذي جعل العالم يعتقد أن الشخصية اليهودية هي شخصية متميزة ويجب احترامها ومساعدتها والوقوف إلى جانبها.
أما الروائي الإيرلندي جيمس جويس الذي قدّم للعالم رواية هامة بعنوان (عوليس) وبطلها (ليوبولدبلوم) فقد اكتشف الباحث حميد مغزى وجود عدد كبير من أصدقاء (بلوم) حوله، وهم الذين اهتموا به اهتماماً خاصاً، وذلك تعبيراً عن خاصية اليهودي وتميز شخصيته، كما بيّن بوضوح الحنين الخفي لبطل الرواية. إلى (أرض الميعاد) نافثاً في ثنايا روايته الروح العنصرية العدائية للعرب من مسلمين ومسيحيين من خلال ما يسميه طرائق نقدية، وشكل من أشكال النقولات. متخذاً من الرواية الفرنسية أنفاسها التي تتقارب مع شذوذات ومناخات رواية مارسيل بروست (البحث عن الزمن المفقود).
أما الروائي الإسباني ميغل سرفانتس وهو الذي أبدع العديد من الأعمال الأدبية أهمها: (دون كيشوت)
والتي عدها كبار نقاد الغرب من أهم أربعة كتب عرفتها البشرية مثل: (الكوميديا الإلهية ـ لدانتي) و(فاوست ـ لغوته) و(ألف ليلة وليلة) و(دون كيشوت ـ لسرفانتس). وقد كشف الباحث حميد عن مضمون رواية (دون كيشوت) الحامل الخطير للمفاهيم العدائية للعرب والتي تصفهم بـ (الكاذبين، والكافرين، واللامعقولين). كما تصف الشخصية العربية بـ (السوقية، واللاأخلاقية، والهمجية، والجلافة، والقساوة) بالإضافة إلى أن الباحث حميد كشف عن أهداف هذه الرواية في إقناع القارئ بـ (ظلامية العقلية العربية الشريرة) وبجوهر الشر الذي يحرّك سلوكه ونتاجه. ولم يغب عن أعين الباحث حميد نظرة النقاد والمجايلين لسرفانتس الذي وصفوه بأنه واحد من أكثر المسيئين للأدب الإسباني آنذاك.
أما الروائي الفرنسي مارسيل بروست فقد أنتج رواية (البحث عن الزمن المفقود) التي تهدف إلى قراءة الحياة اليومية الصعبة التي يعيشها اليهودي في فرنسا والبلدان الأوروبية، واصفاً تلك الحياة بالقاسية والصعبة، وحالات القهر والاضطهاد التي يعاني منها اليهود والتي هي صورة عن شخصية بروست الحافلة بالمرارة والغصات والألم. وكذلك إخفاقه وضياعه وإصابته بلوثة الفقد: (إخفاقه في حب العديد من الفتيات والشبان معاً ـ مضيّعاً لصداقة أبيه وأخيه وأصدقائه، كما كان فاقداً للأحلام التي بناها على عالم الأدب والكتابة، يضاف إلى ذلك ضياع صحته واعتلالها). وهذا ما دفعه للبحث عن الاستقرار وتكوين الذات من خلال الدعوة إلى العودة إلى أرض فلسطين مستفيداً من المفاهيم والنصوص التوراتية والتلمودية والصهيونية. كما دعا إلى رفض الحياة القاسية التي يعيشها اليهود في فرنسا. كل هذا طرحه بروست في روايته (البحث عن الزمن المفقود) والتي دامت كتابتها أكثر من أحد عشر عاماً (1913 ـ 1922) وذلك بعد أن أنجز كتابة قصصه وقصائده الأولى وروايته الأولى (جان سانتوي).
أما الروائي التشيكي الجنسية ألماني اللغة (فرانزكافكا) فقد قدّم عدداً من الأعمال كان منها رواية (القلعة) ورواية (رسالة إلى الوالد) وتلك التي أفرد لها الباحث حميد قسطاً كبيراً من وقته للبحث عما يدور فيها تاركاً لروايته الخاصة التجلي في كشف أهم مفاتيح الأساسية التي تجلو هذه الكتابات وتفك رموزها ومغاليقها عند كافكا وغيره من الأدباء. فدستويفسكي مفتاح كتاباته الرئيس هو موضوعة (الظلم المؤدي إلى الجريمة) وجوزيف كونراد (البحر وأسراره وتبريره لسياسات الاحتلال). والبرتومورافيا (العطش إلى الجنس). وهمنغواي (الصيد والإيمان بالأمل) وغراهام غرين (البوليسية والجريمة). أما كافكا فمفتاحه الأساسي لفهم كتاباته يتمثل في (الخوف) الذي يعتبر محور أعماله. هذا الخوف دفعه إلى العزلة والتقوقع مرتداً إلى يهوديته التي تؤسس للغيتو.
وهذا ما دفع كافكا إلى دعوة اليهود للانخراط في الحركة الصهيونية والمباشرة في ترويج فكرة عودة اليهود إلى فلسطين خاصة وأن ناشر أعماله اليهودي (ماكس برود) أكد أن أعمال كافكا هي وثائق يهودية صهيونية هامة.
لقد استطاع الباحث حسن حميد في كتابه الهام (البقع الأرجوانية في الرواية الغربية) أن يقدم صورة اليهودي في الرواية الغربية واضعاً في قفص الإتهام كلاً من كافكا وسرفانتس ودوستويفسكي وجيمس جويس وبروست لمقاضاتهم بجريمة العداء للعرب والمسلمين ماعدا الكاتب الروسي دوستويفسكي الذي أبدع (الجريمة والعقاب) و(الأخوة كارامازوف) والذي تجلت أفكاره عبر شخصياته المتحولة. وذلك بعد أن فكك الباحث حميد بنيان أعمالهم مبيناً أهدافهم ونظرة الآخر إلينا نحن العرب من مسلمين ومسيحيين وذلك بقلم كاتب عربي ناقد لم يخضع للرؤى النقدية الغربية مستقصياً آداب الشعوب الغربية وما تتضمنه من مواقف، وقد ذكّرنا بالعديد من الباحثين العرب لهذا الأدب أمثال المرحوم محمد أبو خضور، والكاتب إبراهيم العريس، ومحمود موعد، وإبراهيم وطفي، وماهر مصطفى والكاتبة بديعة أمين وكامل يوسف حسين وغيرهم.
زر الذهاب إلى الأعلى