من بين الصخور (مرحلة عشتها) للأديب السلحوت
ديمة جمعة السّمان | فلسطين
“من بين الصخور” نصوص تسجل مرحلة عاشها الأديب جميل السّلحوت بعد سن الطفولة، إذ غطى مرحلة طفولته بكتابه (أشواك البراري – طفولتي) الذي صدر العام الماضي 2018.
من يعرف الكاتب لا يتفاجأ ممّا جاء في كتابه، فهو ليس من الشخصيات التي تهوى الحديث عن نفسها، على الرغم من أن خبرته في الحياة غنيّة، تستحق أن يسجلها في مجلد يحتوي على الآلاف من الصّفحات. إلا أن القارىء يشعر أن الكاتب يكتب سيرة مكان مرتبطة بزمان ما؛ ليسجل أحداثا غفل عنها التاريخ، يكتب عن آخرين أكثر ممّا يكتب عن نفسه.. فالكتاب يجمع بين السّيرة الذّاتيّة والغيريّة وسيرة المكان، وأدب الرحلات والأدب السّياسيّ والاجتماعيّ لوطنه ولبلدان أخرى زارها الكاتب، وشعر أنّ فيها ما يستحق التّسجيل والتّوثيق.
السلحوت يسعى لزجّ أكبر عدد ممكن من المعلومات المفيدة للقارىء، حتّى لو كانت على حساب العمل الفنّي. ومن يعرفه عن قرب يلحظ ذلك في حديثه ومداخلاته أيضا.. سواء كانت في الّندوات أو في غيرها من اللقاءات العامّة والخاصّة أيضا. فهو كريم جدّا في تقديم كل ما لديه من معرفة على طبق من فضّة للمستمع.. هذه طبيعة شخصيّة الكاتب.
وهو يعترف بذلك في بداية الكتاب، بل ويحاول أن يبرّر تغييب (الأنا) في كتابه، ويقول: ( بتّ على قناعة تامّة بأن أفضل من يكتب السّير الذّاتيّة هو شخص آخر يعرف صاحب السّيرة معرفة جيّدة، لأنّه سيكتب بحياديّة تامّة حول ما لصاحب السّيرة وما عليه”.
السلحوت كان لسان الكثيرين ممّن عانوا النّكسة ومدى تأثيرها تحديدا على المقدسيين، تحدّث عن الهزيمة التي صدمت الجميع.
يقول الكاتب أنّه اكتشف أنّه فلسطيني بعد انتهاء حرب 1967، فقد كان الفلسطينيون يعتبرون أنفسهم مواطنون أردنيّون، إذ أنّ الضّفّة كانت جزءا من المملكة الأردنيّة الهاشميّة.
تطرّق إلى نظرة الفلسطينيين الذين احتّلت أراضيهم عام 1967 إلى فلسطينيي ال 1948، فقد كانت المعلومات المترسّخة في العقول، أنّ من تبقى من الفلسطينيين في نكبة العام 1948 هم مجرّد بضعة آلاف من عملاء الحركة الصهيونيّة والانتداب البريطانيّ، ولذلك كانت النّظرة لهم نظرة ازدراء، لدرجة أنّ الكاتب رفض ارشاد المصلّين منهم إلى المسجد الأقصى، بل حاول تضليلهم انتقاما.
أشار الكاتب إلى معركة التّعليم في القدس ومحاولة الاحتلال السّيطرة على هذا القطاع الحيويّ، وأشار إلى وقفة المجتمع المقدسيّ الأبيّ وإضرابه رافضا أسرلة التّعليم، وإصراره على بقاء مناهجه السابقة.
ولم ينس الكاتب أن يتحدّث عن واقع الأسير الفلسطينيّ الذي يقبع خلف قضبان سجون الاحتلال، خاصّة وأنّه أسير محرّر، عاش عذابات القيد.
وانتقل بالأحداث إلى الأردن، ثم سوريا، ثم لبنان، ومصر والجزائر وغيرها، فأجاد انتقاء الأحداث لإبراز الخصوصيّة في كلّ بلد من البلدان الشّقيقة.
كما عرج على موسكو وطبيعة الثّقافة فيها، وكذلك عن طبيعة الحياة في أمريكا وغرائبها والاهتمام في بناء الإنسان.
أمّا الكتابة، فقد كانت لها حصّة أيضا، إذ تناول بعض إصداراته، وتحدّث عن الهدف من طرح مضمون الكتاب.
وتحدّث عن مولد ندوة اليوم السّابع المقدسيّة الأسبوعيّة وعن مؤسّسيها، وعن أهمّيّة وجودها والهدف منها في القدس.
كما أفرد عدّة صفحات تحدّث فيها عن علاقته ببعض الكتّاب والأدباء.
فقدّم السلحوت المعلومة من خلال رؤيته ونظرته الثاقبة للأمور، إذ أن خبرته وتجاربه في الحياة تجعله حكيما في اختيار الزّاوية التي يتمّ طرح الأمور من خلالها.