كانت المدينة وقلبي يبكيان
بقلم: يحيى بهجت مرهج
السؤال الأخير الذي لم تقله الحكاية
كان جوابه في أعماق القلب
هكذا هو حظي العاثر
أنجح بالكاد في المقرر المتمكن منه
لأن الأسئلة تأتي من الدروس التي أهملتها
لأنتبه في النهاية
أن جوهر المقررات
مكتوب فوقها مخصص للمطالعة
ولم أنتبه
فقمت بحفظها عن ظهر غيب
فحين سألني حنا مينة بعد وفاته
من عبث بالحي الجميل الذي قضيت فيه طفولتي
وحوله إلى غابة قبيحة من الإسمنت والحجر
من قتل عوامل الإبداع الذي جعلني بشجره وحجره
أكتب بوضوح وسلاسة عن الشمس في يوم غيم
تلعثمت وأجبته بتأتة
لاأعلم
وحين سألني الشيخ محمد العصافيري
عن مصير الكورنيش
والواجهة الساحرة للاذقيته
من عبث بهما
واستبدل الطلة الساحرة
بغابات من الروافع
ومراكب الصيد الجميلة أين ذهبت
أجبته ببلاهة لاأدري
وحين سألني جول جمال عن مصير مدرسته
التي خرجت المبدعين على مساحة الزمن الطويل العريض
وزينت قلب المدينة بمبناها ومعناها
وقفت حائرا متلعثما أبتلع ريقي
وحين سألني أبو تمام عن مصير حديقته الجميلة
ومدرسته
كانت حيرتي وبلاهتي أكثر
أما عندما سألني بدوي الجبل
مابال شاطئ اللاذقية يحترق عطشا
وكنت قد دعوت الله صادقا أن يسقيه
بكى السيد مكاوي
وصمت أنا
وسقيت شاطئها بدمعتين كبيرتين
فأنا الذي حفظت اللاذقية
زقاقا زقاقا
ومبنى ومبنى
وجامعة عظيمة الشأن والبنيان
رسبت في الامتحان عنها
كان الشيخ محمد المغربي
يطل من مسجده ويدعو الله لي كي أنجح
واللاذقية كلها ارتفعت بترانيم الدعاء
باللغات الآرامية والسريانية والعربية
واجتمعت السفن تطلق زماميرها كعادتها عند ختام الأعوام
وكلهم دخلوا في صلاة كي أتمكن من الإجابة
لكنني بدوت ضعيفا وعاجزا ومغلوبا حتى حدود الحزن
ومدينتي يلتهم الحجر والاسمنت و الفولاذ أخضرها
ومعالمها ويشوه شيئا فشيئا كيانها الجميل
قالت لي الأحجار والمباني
لاتكرهنا
نحن لم نختر أن نكون هكذا
وحين صدرت النتائج
عن مسابقة اللاذقية
كان الفائز رجل غني
يشرب بطريقة مقززة سيكاره الباهظ الثمن
ويقود بطريقة جاهلة سيارته الفارهة الحزينة
التي كانت تصرخ من سلمني لهذا الغبي
كانت المباني التي أنشأها تشير إليه بالبنان
وتنظر إليه كنظرة حسناء سلمت وجهها لمدع بالطب
فشوهه
كانت المدينة وقلبي يبكيان