حليم وعبد الوهاب
بقلم: د. خضر محجز
“بعدك عني
نار بتغني
وترقص شكوتي فيها
ويطمني
قربك مني
في أجمل نار باقاسيها”
مقطع من أغنية “علشان الشوك اللي في الورد باحب الورد” يلخص ثيمة الخطاب الغنائي لعبد الوهاب: الشجن الراقص، أو الألم المغني، أو عذوبة الحزن، وحزن العذوبة.
كل ألحان عبد الوهاب راقصة، بغض النظر عن حزن كلمات النصوص. تأملوا ـ على سبيل المثال ـ لحن أغنية فكروني، الكلمات في المقطع تقول:
“بعد ما اتعودت بعدك
غصب عني
بعد ما نسيت الأماني
والتمني
كلمتين
اتقالوا
اتقالوا
شالوا الصبر مني”..
الكلمات حزينة، لكن اللحن راقص.
أمر آخر يمكن ملاحظته: من الصعب أن تستمع إلى لحن من ألحان موسيقار الأجيال، دون أن يخلع قلبك ـ بين الفينة والأخرى ـ أنين ناي تشعر أنه آت من بعيد، من وراء غروب الشمس، مؤكدا سيرورة الشجن الوهابي وديمومته.
هذا الحزن الأبدي، القادم من عوالم ما وراء المجهول، هو ما جذب عبد الوهاب إلى العندليب
ودعاه إلى أن يطلب منه هو، أن يلحن له. تصوروا!
عبد الوهاب الذي يرتمي العمالقة تحت قدميه ليمنحهم لحنا، يطلب هو من حليم أن يقبل منه لحناً!..
هذا التوافق الروحي، نلمسه في كل ما قدم الاثنان سوياَ.
لكنني على الصعيد الشخصي، أشعر أن لحنا مميزا خاصا، هو ما حمل هذه الثيمة المشتركة،
وقدمها في لحن ملتاع، كأنه يمتح من بئر لا نهاية لمائها؛ إنه لحن “فوق الشوك”، الذي تجلى فيه صوت حليم، بأجمل ما تستطيع اللوعة البشرية، أن تقدم من فرح. وتجلت فيه عبقرية عبد الوهاب، بما لا أظنه استطاع أن يقدم أفضل منه؛ حتى في أنت عمري..