هل يُنهي الفيروس عهدَ مجنون الهند؟

حسام عبد الكريم | باحث وكاتب – الأزدن

ما الذي يجمع بين رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي والرئيس البرازيلي بولسونارو والرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ؟ الاجابة الواضحة طبعا هي يمينية التوجه في السياسات, أقصى اليمين لو شئنا الدقة. وجميعهم وصلوا الحكم استناداً الى خطاب شعبويّ غوغائي الى حد كبير , معادي للأجانب وللمنظمات الدولية, و مستفز للروح القومية بصبغتها البدائية التي هي اقرب ما تكون الى العنصرية الصارخة. وجميعهم وصلوا للسلطة بعد فترات من الحكم اليساري/الليبيرالي من طرف خصومهم المحليين, ليقلبوا توجّه بلدانهم الكبيرة وسياساتها الداخلية والخارجية رأساً على عقب. 

ويجمعهم ايضا كوفيد ١٩ . ردة افعالهم تجاه الفيروس تكاد تكون متشابهة تماما. عدم تصديق في بداية الأمر, وعدم اهتمام يناسب خطورة الفيروس المستجد, وميلٌ الى اعتباره مؤامرة ليبيرالية او اجنبية أو أممية موجهة ضدهم تهدف الى التغطية والتشويش على نجاحاتهم الاقتصادية ومنجزاتهم التي بدأت ثمارها تظهر ويراها ناخبوهم . بل ان الامر بلغ بدونالد ترامب الى حد التشكيك في مهنية الهيئات الطبية في بلاده والعالم بأسره فبذل جهدا كبيرا في رفض توصياتها وتحداها الى اقصى مدى ممكن. قاوم ترامب و بولسونارو و مودي فكرة الكمامات ولم يظهروا مرتدينها الا بعد مماطلة طويلة وتحت الضغط. 

وفي الهند اختلطت السياسة بالمعتقدات الدينية بالتعصب القومي, وأدت في النهاية الى الحالة المأساوية التي تواجهها البلاد هذه الايام. التقارير الواردة من الهند تتحدث عن انهيار تام للنظام الصحي وعجزه الكامل عن مواجهة تفاقم الوباء الذي بلغ ارقاماً قياسية في عدد الاصابات والوفيات. مناظر قاسية وصادمة لعشرات الالوف من مرضى الحالات الحرجة يتكدسون في ممرات المستشفيات وامام بواباتها وهم يموتون ببطء دون ان يجدوا الاكسجين ليعينهم على التنفس ولا حتى الكادر الطبي ليهتم بهم. مراكز إحراق الموتى, وهي الممارسة الشعبية المنسجمة مع التراث الديني الهندوسي, تعمل بأقصى طاقتها ولكن رغم ذلك غير قادرة على التعامل مع الاعداد الكبيرة من الجثث التي تحضر اليها. لم تعد الأخشاب اللازمة لعملية الحرق تكفي فصار أهل الموتى يبحثون عن اي شيء خشبي في بيوتهم ليستعملوه في حرق جثث ذويهم حتى لا تبقى في الانتظار الذي قد يطول. ولمواجهة مشكلة الحرق قامت السلطات المحلية في بعض الولايات الهندية بإصدار سماحٍ مؤقت لقطع اشجار الغابات واستخدامها في عمليات احراق الجثث.

هذه الحالة الكارثية للوباء في الهند أتت بعد أشهر قليلة من تأكيد حكومة نارندرا مودي أن جائحة كورونا قد تم التغلب عليها في الهند. وفي كانون ثاني/ يناير من هذا العام خاطبَ مودي “المنتدى الاقتصادي العالمي” وأعلن متبجّحاً ان الهند ” أنقذت البشرية من مصيبة عظمى عندما نجحت في احتواء كورونا بكل فعالية”! مودي قال ذلك في ذروة تفشي الموجة الثانية من الوباء في امريكا و اوروبا. ألم يخطر بباله ان موجة ثانية ربما في طريقها الى الهند ايضا ؟! لا ندري.

التساهل الذي أظهره نارندرا مودي في التعامل مع الاعياد والمناسبات الدينية الهندوسة يقترب من كونه إهمالاً إجرامياً ! في شهر اذار/مارس الماضي سمحت الحكومة الهندية بتجمّع بضعة ملايين من الحجاج الهندوس بمناسبة مهرجان الابريق المقدس ( كومبه ميلا ) لينزلوا بشكل جماعي في مياه نهر الغانغ, طبعاً بدون أي اجراءات احترازية او تباعد . وبعد ذلك بعدة ايام كان الموعد مع عيد الألوان ( هولي ) حيث احتشد مئات الالاف في ولاية اوتار براديش ليحتفلوا بالربيع حسب الطقوس الهندوسية, ايضا بدون اكتراث بالفيروس المعدي, وتحت سمع الشرطة والسلطات وبصرها.

ويجمع الخبراء ان هذين المهرجانين الدينيين كانا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت الى هذا الانتشار الوبائي الهائل في الهند والذي خرج عن نطاق السيطرة. كان بإمكان مودي لو أراد أن يمنع إقامة هذه المهرجانات, فهو يملك السلطة والأدوات القادرة على الضبط والربط ولكنه آثر السير حسب أهواء قاعدته وجمهوره وانساق وراء عاطفته وغرائزه الهندوسية المتّقدة والمتزايدة يوماً بعد آخر. وقد لاحظ المراقبون أن مودي زاد مؤخرا من مظاهر هيئته الهندوسية الملتزمة فأطلق العنان للحيته وصار يظهر مرتدياً عمامات هندوسية مميزة في مهرجاناته الانتخابية –كما حصل في ولاية غرب البنغال حين احتشد عشرات الالاف من الناس بدعوة من حزب مودي الحاكم ( بهاراتيا جاناتا ) ليستمعوا لمودي يخطب بهم – بلا كمامة ولا اجراءات تباعد !   

منذ كان شاباً يافعاً انضم مودي الى الجماعات الفاشية الهندوسية المعادية للمسلمين . وعندما صار حاكما لولاية غوجارات سنة 2002 سمح لمجموعات المتعصبين الهندوس بارتكاب جرائم جماعية فظيعة (وصلت الى حد حرق الاحياء وقتل الاطفال واستخدام السكاكين ) ذهب ضحيتها آلاف الهنود المسلمين, دون أن تحرك سلطات الولاية ساكناً. ويومها نال مودي لقب “امبراطور قلوب الهندوس” في اوساط مؤيديه الذين رأوا فيه مخلص الأمة الهندوسية. وعندما وصل الى رئاسة الحكومة الاتحادية في نيو دلهي واصل سياسته العنصرية الفظة والفجة ضد ابناء بلده من المسلمين. وفي عام 2019 سنّت حكومة مودي “قانون المواطنة” الجديد الذي يجعل الجنسية الهندية على اساس الدين, في تمييز صريح ضد المسلمين الهنود الذين صار بضعة ملايين منهم مهددين بفقدان جنسياتهم.

الغوغائية وخطاب الغرائز والتأجيج كانت وسيلة مودي للصعود الى السلطة, فهل ستكون هي ذاتها طريقه الى السقوط ؟ هل بدأت رحلة النهاية لمودي وحزبه القومي الهندوسي الممسك بالسلطة منذ 2014 ؟ هل سيتمكن مودي من الصمود وإكمال ولايته الثانية التي ستنتهي في 2014 ؟

لا نظن ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى