ابتسمْ للحياة
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
كان للشيخ محمد عبده صديق وفي، ألّف بينهما قرب الجوار في البلدة، وتساكنهما وتلازمهما أيام المجاورة في الأزهر، ثم تعاونهما بعدُ في معترك الحياة، وكان هذا الصديق أكثر ذكاءً من الشيخ محمد عبده وأوفر استعداداً، ولكن الشيخ محمد عبده كان أكثر تفاؤلاً. فقد كان الشيخ محمد عبده يرى الناس خيّرون بطبعهم، وإنما أفسدتهم الظروف؛ فإذا أُصلت صلحوا، وإذا دُعوا إلى الخير ومهدت لهم السبل ورسمت لهم الطريق وربوا تربية صالحة؛ لبوا الدعوة واستقام أمرهم، واتسع أمامهم طريق المجد والشرف. وكان صديقه متشائماً يرى أن الناس فسدوا فساداً لا يُرجى معه صلاح، والمصلح يحرق نفسه ثم لا يأتي بنتيجة، فخير أن يكتفي المصلح بنفسه، وليدع الناس وشأنهم حتى يأكلهم القدر. وعلى هذا الأساس بنى كلٌ حياته وأعماله؛ فأما الأول فأصبح –لتفاؤله- الشيخ محمد عبده المصلح العظيم الذي ترك في أمته الأثر الكبير، أما الثاني فلم يعرفه إلا خاصته، ولم يستفد من ذكائه إلا أقرب الناس إليه، فكان شمعة مضيئة في غرفة خالية.
لا شيء يُضيّع ملكات الشخص ومزاياه كتشاؤمه في الحياة، ولا شيء يبعث على الأمل ويقرب من النجاح وينمي الملكات، ويحث على العمل النافع كالابتسام للحياة، والطبيعة منحتنا القدرة على التبسم كما منحتنا القدرة على البقاء، علماً منها بأن العيش لا يصلح إلا بها، والسعادة لا تتم بدونها، ولكن بعض الناس يكبت هذه الموهبة ويلونها باللون الأسود، فوقع في الهم والشقاء، لأن الطبيعة لا تمنح السعادة إلا لمن يحترم قوانينها ويسير على سننها.
وكأن الطبيعة قد علمت أن الدنيا لا تخلو من متاعب، وأن الإنسان سيلاقي في حياته بعض المصاعب، فسلحته بسلاح التفاؤل، وجعلت ذلك دواء لدائه وبلسماً لشفائه، فإذا هو فقده لأي سبب من الأسباب؛ حُرِمَ بذلك علاجه وعاش في بؤسه. والمتفائلون ليسوا أسعد حالاً لأنفسهم فقط؛ بل هم كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب، والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم وتنفع الناس.
إن من النفوس من يخلق من كل شيء شقاء، ومنها من يخلق من كل شيء سعادة، والمتفائل يرى جمال الحياة كما خُلقت، ومن تغبش منظاره واسود زجاجه، رأى كل شيء أسود مغبّشاً؛ فلا يفرح بما أُتِي ولو كثيراً، ولا ينعم بما نال ولو عظيماً. عوّد عقلك تفتح الأمل وتوقع الخير تجده سهلاً يسيراً. ولتنثر البسمات على طول الطريق، وابتسم ولو تكلّفاً ينقلب التكلّف طبعاً بعد حين.