في بيداغوجيا الترجمة (2)

أ.د. عنتر صلحي | أستاذ الترجمة واللغويات – جامعة جنوب الوادي – مصر

 

الترجمة كأداة لتقويم التعلم

ولما كانت الترجمة نشاط عقلي لغوي في المقام الأول، صار من الضروري تدريب الدارسين عليها تنمية لقدراتهم الفكرية وإثراء لمعارفهم اللغوية. بل إن الترجمة تتخطى حدود التدريب والتعليم لتكون أسلوبا ناجعا لتقويم مدى تقدم الدارسين في التحصيل وتحليل أخطاءهم وتوجيههم إلى مواطن الضعف لديهم. وهذا الدور التقويمي للترجمة ليس بجديد إذ أن معلمي اللغات في كل العصور لم يفرقوا بين وظيفة الترجمة التدريسية ووظيفتها التقويمية؛ فقد كان المعلم – ومازال الكثيرون يفعلون – يعلم اللغة بترجمة تعبيراتها وإيجاد المقابل لتراكيبها حتى إذا أطمئن إلى فهم طلابه وظن أن قد أتقنوا ما عُلِّموا دفع إليهم بقطع صغيرة كانت أو كبيرة وطلب منهم أن يترجموا فرادي وجماعات في أوقات تقصر أو تطول. فإذا أنهى الطلاب وظيفتهم ودفعوا بها إلى المعلم راح يحصي أخطاءهم في الهجاء والمرادفات والتراكيب والمعنى الإجمالي ومن ثم اتخذ من أخطاء تلامذته أساسا لدرسهم القابل. والحق أن هذه الطريقة التي تلازم فيها دورا الترجمة كأسلوب للتدريس وكمنهج للتقويم لها فضل كبير على أبناء اللغات قاطبة وأبناء العربية خاصة، رغم النقد المر الذي وجه إليها كطريقة تعليم والذي لم يسلم معظمه من التأثر بمناهج الغرب الداعية إلى واحدية اللغة unilingual والتي ولد معظمها في رحم الفكر الاستعماري الذي سعى إلي الهيمنة الثقافية.

وقد اعترض الكثيرون على استخدام الترجمة للتقويم -كما اعترضوا من قبل على استخدامها للتعليم- بمبرر أن أسئلة الترجمة يصعب التحقق من صدقها وثباتها؛ فهي – يقولون- لا تقيس شيئا محددا بدقة، وتتفاوت إجابات الطلاب فيها، فكيف يحدث الثبات؟ والحقيقة ان الترجمة – مثلها في ذلك مثل باقي الأسئلة المقالية – لا تلين للمحددات النفسية المعيارية للصدق والثبات validity and reliability ولكن هذا لا يعني استحالة التوصل إلى ذلك.

وقد قام (Ghonsooly, 1993) باستكشاف الدور التقويمي للترجمة في دراسة إحصائية مقارنة بين مدى صدق وثبات بنود اختبارات تستخدم الترجمة لقياس التحصيل في اللغة وبنود اختبارات تستخدم أدوات أخرى (مثل القراءة و تطويعات القواعد والكتابة ….) وخلص إلى أن الترجمة –رغم ما يعتورها من ذاتية في التقدير- يمكن أن تكون بنودا اختبارية جيدة لقياس التحصيل في اللغة بشرط الدقة في صياغة الأسئلة ووضوح معايير التقييم، وهى نتيجة مشابهة لدراسة عادل البنا في (El-Banna, 1993) ودراستنا ( Abdellah, 2007a) التي أكدت على تحديد معايير التصحيح واعتبار درجة الطالب النهائية هي متوسط تقدير مصححين على الأقل، ودراستنا في 2005 حول استخدام الترجمة للتقويم في صفوف العربية للناطقين بغيرها(A. Abdellah, n.d.)، ودراستنا حول استخدام الترجمة للكشف عن الاخطاء الكامنة لدى الطلاب في ترجمة ضمير جمع غير العاقل. ( Abdellah, 2007b)

ومن مميزات استخدام الترجمة كأسلوب لتقويم مهارات اللغة الأجنبية:

  • أنها تنمي أسلوبا منطقيا للتفكير والتحليل والتركيب
  • أنها تعزز أسلوب حل المشكلات في التدريس وتنمي نفس الاستراتيجية لدى الدارس في الاختبارات.
  • أنها نشاط متكامل يبرز للدارس أخطاءه في المفردات والتراكيب والهجاء ووضوح المعاني واستخدام القاموس جميعا.
  • أنها من أنسب أساليب التعلم التعاوني إذا تمت في مجموعة حيث قد يقسم العمل، كما كان يفعل طلابي في جامعة لندن – بمبادرة ذاتية- بأن يقوم أحدهم بالبحث عن الكلمات في القاموس ويقوم الأخر بمراجعة القواعد المتضمنة (الجموع، التأنيث، تصريف الفعل،…الخ) ويلخصها للآخرين، ويقوم أخر بتنظيم الأفكار ويقوم رابع بالكتابة والتسجيل ويقومون جميعا بالمشاورات في كيفية التغلب على المشكلات.
  • أنها تضفي على الفصل الدراسي البهجة والدافعية للتعلم خاصة إذا تم تقسيم الفصل إلى مجموعات متنافسة.
  • أنها من أفضل الأساليب التي تستخدم في المراجعة عندما يكون المعلم قد أنهى وحدة معينة إذ تكون المراجعة نفسها في صورة مشاركة كبيرة من الدارسين بدلا من أن تكون تلخيصا يلقى من جانب المعلم.

والاستخدام الأفضل للترجمة كأداة للتقويم يتضمن ثلاث مراحل: ما قبل التدريس، وأثناء التدريس، وما بعد التدريس، ولتفصيل هذه المراحل، يمكن الرجوع للدراسات المذكورة سابقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى