على أريكة الاحتياط (1)

نزهة المثلوثي  | تونس

بعد حصّة يوم تكوينيّ غادرت القاعة …نظرت إلى السّاعة فعنّ لي السّفر وخطر لي الرّجوع إلى بيتنا …على عجل حملت حقيبتي واتّجهت نحو المحطّة ..ما إن وصلت حتّى استقبلني السّائق مرحبا, ”القيروان. القيروان ….” سألته قائلة” هل من رحلة إلى نابل ؟”

فردّ ”لا…. هيّا إلى القيروان  هيا تفضّلي مازال مقعد واحد ..ثمّ توجّهي  من القيروان إلى نابل ”

كنت أعرف أن هذا المسار الذي شرع يشرح لي تفاصيله يتطلّب وقتا وصبرا  واحتمال تعطيل  خاصّة وأنّ المسافة طويلة والوقت متأخّر ….

حمل الحقيبة …وفتح لي الباب ..جلست حذو فتاة سألتني عن وجهتي وأخبرتني أنها تتّجه إلى نابل ثم  إلى قرنبالية

..وقالت ضاحكة ”مازال مقعد شاغر ويبدو أنّنا سننتظر فترة حتّى يأتي المنقذ لنبدأ الرّحلة …”

وأردفت.

‒ رأيتك سابقا

‒ أين ؟

‒ في الدشرة بمعهد الزهور يوم مراقبة اختبار الباكالوريا كنّا بقاعة الأساتذة  نترشّف قهوة ونتبادل أطراف الحديث   في مزاح

فقلت

‒ كنّا على أريكة الاحتياط …

بعد أكثر من ساعةانطلقت بنا السّيّارة وانطلق معها  حوارنا حول هموم البلاد والعمل وبطالة أخوتها… والشّوق إلى الدّيار …حتّى وصلنا إلى القيروان .

استولت عليّ دهشة عظيمة وأنا أنظر إلى المحطّة التي ساد فيها السّكون وخلت من الحركة التي كانت شديدة قبل سنوات

 فقد كان المسافرون يتزاحمون ويتدافعون فيها  مهرولين خلف السّيّارات..لافتكاك مقاعد

امتطينا سيّارة شاغرة وقف سائقها صامتا متّكئا على بابها الأماميّ  هائما كأنّه يحمل هموم النّاس جميعا …

مضى وقت ..وغربت الشمس ساحبة آخر شعاع …  ولم نلمح أحدا يطلّ من باب المحطّة…

لم نلتفت ولست أدري أكانت خطوات أعوان أمن أم مجموعة من المنحرفين تلك التي كانت تلاحقنا في أحد شوارع القيروان قبل أن يرتفع صوت يأمرنا بالتّوقف

فبعد طول انتظار في المحطّة الشّاغرة رنّ جرس السّائق فرفعه هنيهة ووضعه في جيبه قائلا  “لقد ماتت  أمّي بسبب “الكوفيد” وحالة أبي خطيرة سأعودإلى البيت حالا

لا تبقيا هنا  فالحال حظر تجوّل هيا اتبعاني …”

سرنا خلفه بتساؤلات عديدة ولم نجد إضاءة مناسبة في ظرف يزداد فيه خوفنا على أمّهاتنا كلّما ارتفع عددالمصابين والمتوفّين.

هل نقضي ليلتنا في شارع نعبره لاوّل مرة في حياتنا؟! أم نقصد بيتابجائحة أثقل شبحها خطواتنا  فلم نتمكّن من اللّحاق بالسّائق  المهرول نحو دارهم ليرى أمّه ملقاة بعد أن أخمد الفيروس اللّعين أنفاسها …

تباطأنا  حتّى كدنا نقف لولا  تلك الخطوات خلفنا والصّوت المرتفع المخيف …ضغطت مرافقتي  على كفّي بأصابع مرتعشة فجذبتها نحو باب على يساري وجعلت أطرقه بقوّة ..فُتح الباب فأغلقته بعد أن ارتميت مع مرافقتي داخل الدار

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى