قراءة في فلسفة اللّذة والفرح والسعادة :

عماد خالد رحمة  | برلين 

من خلال قراءتنا العميقة للعديد من المفاهيم المرتبطة بالشعور الإنساني، نجد مفهوم اللّذة والسعادة والفرح من أهم المفاهيم التي تخص الشعور الإنساني الفيّاض. وكان من بين ما قرأناه في هذا المجال ما كتبه الكاتب الفرنسي فريدريك لونوار في كتابه الهام بعنوان: (اللذة والفرح والسعادة). كما قرأنا للفيلسوف اليوناني أرسطو والفيلسوف إيمانويل كانط والفارابي، وابن مسكويه وجون ديوي ، ومشيل دي مونتين ، والفيلسوف أندريه لالاند وغيرهم كثير . من هنا فإننا نتطرق بإيجاز سريع عن اللذة والفرح والسعادة .
فاللّذة هي ذلك الشعور الناجم عن إشباع رغبة معينة ،أو حاجة محدّدة في الحياة العامة. واللّذة مؤقتة تختفي وتتلاشى بمجرد انقضاء الحاجة أو الرغبة .
لذا فالسعادة الناجمة عن تحقُّق الرغبة أو اللّذة آنية ولا ديمومة لها، بل إن تحقُّق تلك الرغبة لا يُسعف صاحبها من بعض التأثيرات الجانبية غير المنظورة أو غير المحسوسة، في وقت حدوثها ،لكن ذلك يتمظهر في المدى البعيد. فما هو الحل من أجل الحصول على سعادةٍ أطول ؟
لقد كان للعديد من الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ آراء مختلفة متقاربة أحياناً ومتباعدة أحياناً أخرى حول مفهوم اللّذة والفرح والسعادة. فمثلاً يقول الفيلسوف اليوناني إبيقور الذي عاش بين عامي (341-270 ق.م)، والذي أسس مدرسة فلسفية سميت باسمه، هي المدرسة (الإيبقورية)
(إنّ السعادة تتحقق بواسطة الاعتدال)
لذا فقد حفلت (الحِكَم) الإبيقوريّة التي قالها في وقتٍ مبكِّر من التاريخ الإنساني بالاهتمام الكبير من قبل العالم أجمع . ويقصد بمقولته تلك : (إنّ السعادة تتحقق بواسطة الاعتدال)، أي لا إفراط ولا تفريط فيها. أي يمكن أن تكون متوازنة. وكان اختياره الوسط يفضي إلى سعادة أعمق وأطول. وهو يذكر ثمانية مفاهيم يعتبرها أساسية أطلق عليها اسم ( مفاهيم إيبقورية ) وهي على التوالي: لا تخف من الآلهة، لا تخف من الموت، لا تخف من الألم، عش ببساطة، إبحث عن المتعة بحكمة، اعقد صداقات وابحث عن أصدقاء جدد، وكن حَسَن المعاملة مع أصدقائك، كن مخلصاً في حياتك وعملك، ابتعد عن الشهرة والطموح السياسي.
يقول الفيلسوف الحكيم إبيقور عن اللّذة: (أما أنَّ اللّذة خير فذلك أمر بديهي ،يشعر به الإنسان كما يشعر أنَّ النار حارّة، وأن الثلج أبيض). ولا ينبغي أن نتجنب كل ألم في الحياة .من هنا فإنّ اللذة التي نقصدها هي التي تتميز بانعدام الألم في الجسد وانعدام الاضطراب في أنحاء الجسم. وبمجرد أن تتحقق لنا هذه الحالة من اللذة حتى تهدأ كل عواصف النفس وثورانها وبراكينها، ولن يكون على الكائن الحي أن يسعى إلى شيء ينقصه أبداً. عندما أوجد لا يوجد الموت أو الفناء ، وعندما يكون الموت أو الفناء لن أكون موجوداً.
في حقيقة الأمر تعتبر اللّذة بداية الحياة السعيدة وغايتها ومراميها. بالنسبة للفيلسوف اليوناني إيبقور يقول: لا يمكنني أن أتصوّر ما هو خير إذا استبعدنا ملذات الحب والطعام وكل ما يمتع العين والأذن. إننا لا نبحث عن أيّة لذّة.
هناك من يؤيد الفيلسوف اليوناني الحكيم إيبقور في رأيه حول اللّذة ، منهم الفيلسوف اليوناني أرسطو. كما كان للرواقيين رأي آخر في اللذة حيث يعتقدون أنها لن تتحقق إلّا بالحكمة. والحكمة لا تكون إلّا في العيش الرغيد بمقتضى الطبيعة، أي بفصل موضوع السعادة عن أسبابه ومفاعيله الخارجية، أن نحب الطبيعة بكل تكاملها كما هي. فالقلق والاضطراب الناجم عن محاولة تغيير مسار الطبيعة، يُسبِّب شقاءً وتعاسةً دائمة لا تتوقف، فالحكمة كل الحكمة تكمن في العيش الرغيد بمقتضى الطبيعة.
أما الفرح وهو الموضوع الرئيسي في الحياة التي نعيش، فيمكن أن نجده كما لو كان شعوراً مختلفاً نوعاً ما عن السعادة واللّذة، فالتجارب الحياتية أثبتت أنّ الفرح أقوى وأعمق وله جذور في الوجدان، ويُحدِث هزّةً عنيفةً في الشعور الإنساني الفيّاض، ولذا تجد أنَّ شعور الفرح غالباً ما يتبعه قفزة نوعية في الحياة، وهنا تكمن جوهر الفكرة.
لقد أكّد الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا .والفيلسوف والناقد الثقافي والشاعر والملحن واللغوي الألماني فريديش فيلهلم نيتشه، والفيلسوف الفرنسي هنري برغسون مفهومهم للفرح، فأسماهم الكاتب الفرنسي فريدريك لونوار في كتابه الهام بعنوان: (اللذة والفرح والسعادة) في بداية البحث أنهم (فلاسفة الفرح). وأكّد أن القاسم المشترك بين هؤلاء الفلاسفة في مفهومهم للفرح هو أن الفرح عندهم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الحياة الإنسانية، الفرح يكمن في الحركة والإبداع والتطور. والحزن يكمن في الثبات والجمود. جوهر الفرح ولبّه عند الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا يكمن في التحرّر من عبودية الأهواء عبر مسار الحياة الإنسانية، والفرح عند الفيلسوف الألماني فريديش نيتشه يكمن في القوة، وفي الارتقاء نحو الإنسان الأعلى، وأما الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون فيرى أنَّ الفرح لا يقتصر على حفاظ الإنسان على بقائه وكينونته وماهيته، بل في ما يحقّقه من إبداع وخلق للحياة لا يقتصر على الطعام والشراب وغيره.
هذا الرأي يتناقض مع الرأي الذي قدمه الكاتب معتز عرفان من خلال كتابه بعنوان: ( اللذة الغامضة للا شيئ) .
إنّ من يريد الخوض في مثل هذه القضايا الإنسانية ،عليه أن يحوذ على معرفة واسعة في الوجودية والسايكولوجيا والأنثروبولوجيا، والإثنوغرافيا، وأن تتم مناقشة الوجود البشري بعمقٍ شديد، كما أنّ عليه أن يحوذ أيضاً على التجربة الاجتماعية، والانعزالية، وعدد من الموضوعات الهامة التي تتعلّق بالإنسان ووجوده، والمؤثرة على وجوده وكيانه وماهيته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى