لسانك حصانك
رحاب يوسف | قاصة وكاتبة تربوية فلسطينية
كلنا يهجر الإنسان الصفيق الفظّ ويتجنبه؛ خوفا من شتمٍ أو سبٍّ أو قذف، تخرج الكلمات من حلقه وكأنها صخورٌ وحجارة يريد رجمك بها.
كم كلمة نتلفظ بها من صباحنا إلى مسائنا؟ أكثر عضلة تعمل دون كللٍ أو مللٍ هي عضلة اللسان، خلق الله الإنسان وجعله حكيما، وجعل في الإنسان من القدرات ما يستطيع أن يَعمُرَ بها الأرض، وأن يسطير على ما فيها، فخلق له اللسان الذي حذّرت منه كل أعضاء الجسم.
وإنّ هذا اللسان كم شتت أُسَر! وكم شُنت بسبببه حروب وخصومات! وكم فَسَدت شراكات! وكم كسدت تجارات! وكم هُدّمت به علاقات! ولقد كان النبي يحذّر من هذا العضو، فقال – صلى الله عليه وسلم – : “إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم”
سُئل الرسول عن أكثر ما يدخل الناس النار، فأجاب – صلى الله عليه وسلم – اللسان والفَرْج! يدخل الإنسان الإسلام بكلمة تؤدي به إلى الجنة، وبكلمة يقولها يدخل بها النار.
في غزوة تبوك تكلم المنافقون كلماتٍ اتّهموا بها الصحابة، فقالوا: ما رأينا أكثر من الصحابة بطوناً، وأكلا، وجبنا عند اللقاء! أي اللقاء في المعارك، فقال الله – عز وجل – فيهم “ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون“(التوبة 65)، يقول الرسول: “إن الرجل ليتكلم بكلمة لا يلقي بها بالا يرفعه إلى أعلى عليين، ويقول كلمة تهوي به في جهنم سبعين خريفا”، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم!
المصيبة في مجالسنا هي ألسنتنا التي لا تنقطع عن الكلام، ومن كَثُرَ كلامُه كَثُرَ سَقَطُه، ومن كَثُر سقطه كثُر إثمه.
في يوم من الأيام مرّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع أصحابه على جيفة، فإذا بالرسول ينادي على اثنين من أصحابه، يقول لهما: كلا من هذه الجيفة، فقالا: كيف يا رسول الله؟ أي الأمر لا يُطاق، فقال لهما: إن كلامكما في صاحبكما آنفاً أشدّ من أكلكما هذه الجيفة“، والله – سبحانه وتعالى – يقول: “ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه“ (الحجرات 12).
مرّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – في المعراج على أقوام – أي جمع من الناس – لهم أظفار من نُحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم – مَن هؤلاء ؟ فقال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم”.
تجد البعض متورّعاً، لكن لسانه يفري في الأحياء والأموات، ولا يبالي، والله – سبحانه وتعالى – يقول :”ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد“ (ق18).
سمع الحسن البصري يوما أن قوماً اغتابوه، فأرسل لهم هدية من رُطَبٍ، وقال لهم: سمعت أنكم أعطيتموني من حسناتكم، ولم أجد أفضل من هذه الهدية أهديكم إياها.
رُد عن عِرض أخيك في المجالس؛ لانه سيوكّل الله لك مَلَكاً يرد عنك النار يوم القيامة، فإن ذببت عن عرض أخيك، ولم يرتدع من هم في المجلس اتركه واهجره.
انظر إلى المنافقين الذين تكلّموا في عِرض السيدة عائشة بالإفك المبين، يظنون الكلام هيّنا، وهو عند الله عظيم، ”إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم” (النور15).
لا ترم الناس بالتّهم، وإياك تتبع عورات الناس، فيفضحك الله في عقر دارك، قال تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور4)
يأتي الإنسان يوم القيامة، وقد شتم هذا، وقذف هذا، حتى لا يبقى في رصيده حسنات، اغتبْ، سُبْ، اشتم،ْ اقذفْ، افعلْ ما شئت، لك يوم تقف فيه بين يدي الله، وتُنصَب لك الموازين، ويشهد عليك لسانك “يوم تشهد عليهم ألسنتهم” (النور24).
إحدى زوجات الرسول – صلى الله الله عليه وسلم – قالت له يوماً: “حسبك من صفية كذا وكذا”، كأنها تكلّمت على ضرتها، فردّ عليها: “قلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته” تعظيما لهذه الكلمة، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت”.
سئل الرسول عن النجاة يوم القيامة، قال:”امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك”، وإذا عُرضت الكتب على المجرمين يوم القيامة تراهم يبكون ويصرخون.
قيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن امرأة تصوم النهار، وتقوم الليل، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال – صلى الله عليه وسلم – “هي في النار”، والرسول أخبرنا بأن المسلم من سلِم المسلم من لسانه ويده.