الكلمة للقدس
إدريس حنبالي | المغرب
الأحداث التي تجري على أرض فلسطين تكاد تغطي على غيرها على الساحة الدولية، فقبل اندلاع أزمة حي الشيخ جراح بالقدس الشريف كنا نتابع أخبارا تتحدث عن رصد الولايات المتحدة لتحركات كورية شمالية ربما تشيرا إلى اعتزامها القيام بتجربة نووية أو إطلاق صاروخ جديد.. أو من ميانمار جنوب شرق آسيا مرورا بالصراع على الثروة المائية بدول حوض النيل واغتيال رئيس تشاد و تشكيل حكومة توافق في ليبيا المكتوية بما تبقى من أيام الربيع؛ تحركات الأساطيل الأطلسية بحوض البحر الأسود وكل هؤلاء الضحايا الذين حصدهم الوباء في ثاني أكبر دولة من حيث السكان؛ واستنفار باقي دول العالم لخوض جولة في الحرب على فيروس تكتنفه كثير من الأسرار.. إعادة تسخين ملف أوكرانيا واتخاذ الأطلسي إجراءات جديدة تهدف لمحاصرة روسيا بمزيد من الضغوط لتحجيم دورها المتنامي في الساحة العالمية.. تحركات الأساطيل الامريكية ببحر الصين وملف تايوان والصراع المستعر على اليمن وباب المندب مرورا بأفغانستان؛ وعودة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم يحملون جراح ذكريات السنوات الطويلة.. وكأن يدا في لحظة ما ودون سابق إنذار تمتدّ لهذه الملفات لتودعها في الأدراج للنظر فيها في وقت لاحق.. حي الشيخ جراح أو لنقل آخر ما يتبقى من الإرث الفلسطيني في القدس الشريف بعد عقود طويلة من الاحتلال.. الطريق أصبحت سالكة لنتنياهو والعالم الذي تحكمه لغة المصالح؛ والشرعية فيه باتت لمن يمتلك القوة أصبح متبلّدا يتابع الاحداث بسأم ثم ينصرف لانشغالاته أو يلوذ بالصمت..
الأرقام التي ينشرها الخبراء حول الاقتصاد الصيني وما راكمه في إلى حدّ الآن منذ انتشار وباء كورونا المتحور بل هناك من يقول أن الاقتصاد الصيني سيحصد ثلاثة أرباع الاقتصاد العالمي مع مطلع سنة 2030 وهنا مربط الفرس.. الأشغال جارية على كل المستويات لإتمام مشاريع طريق الحرير، موانئ ضخمة يتم تجهيزها في عدد من بلدان المنطقة سكك حديدية متطورة تمتد لتصل إلى قلب أوروبا، مدن سترى النور ودول أحرى كثيرة تمني نفسها بضمان موقعها في العصر الجديد، ولأجل هذا يجيئ ترامب.. “لنجعل أمريكا مرة أخرى عظيمة”.. كان هذا شعار الحملة التي وصلت به إلى البيت الأبيض، ترامب بتركيبته النفسية وموقعه كثري من أثرياء رجال الأعمال؛ وحمولته الإديولوجية والثقافية ظل يتصرّف بكبرياء رجل الغرب الأمريكي.. “الكوبوي” الذي ينبغي أن يكون أقوى وأسرع؛ فكان أن ارتكب أخطاء قاتلة لأن الفرق شاسع بين السرعة والتسرع.. وأبرز هذه الأخطاء إقدامه على توقيع اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل متجاهلا لكل القرارات الدولية ذات الصلة ومكانة المدينة المقدسة في قلوب ما يقارب ثلاثة ملايير من المسيحيين والمسلمين.. وذات الغرور أو أكبر ركب صديقه المقرب نتانياهو.. مشروع شرق أوسط جديد وهو مشروع أبلى فيه باراك أوباما بلاء حسنا حتى أصبح تحقيقه على مرمى حجر لولا أن هرعت روسيا إلى المنطقة بكل ثقلها لتفشل مخطط ابتلاع المنطقة وهو ما يهدد مصالحها ومصالح حليفها الصيني وحليفها الصاعد في المنطقة والعالم ويتعلق الأمر بالجمهورية الإسلامية لإيران؛ وبالفعل ها هو الصراع علي سوريا وغيرها هناك يصل إلى منتهاه بعد آلام عظيمة وتضحيات جسام .. وهكذا كان على ترامب كوريث لأوباما ونتانياهو الذي يخلف نفسه مرة أخرى أن ينخرطا في مشروع ” التطبيع الجديد ” وهو المشروع الواعد بالرفاهية والإزدهار لكل بلدان المنطقة- حسب ما يروج له نتانياهو- حيث كان من المقرر أن يتم تأسيس موانئ ومطرق سريعة تربط موانئ حيفا وأشدود بموانئ دول في الخليج تصلها أخير بموانئ في الهند وهو ما تلقفته الصين أن الهدف على الأرجح هو حرف طريق الحرير عن مساره وهو الذي سيُمَكِّن لإسرائيل في المنطقة ويجعل لأمريكا قوة جبارة لقرن جديد ..
قبل ما يقارب الشهر حلّ وزير الخارجية الصيني لطهران ليوقع مع الإيرانيين اتفاقا استراتيجيا للتعاون في شتى المجالات يباشرفي تنفيذه طيلة السنوات العشرين القادمة.. الصين وروسيا وإيران ودول أخرى تدور في فلكهم تشعر بنفس التهديد باتت تعمل سواء كان ذلك علنا أوفي الخفاء لتأسيس نظام عالمي جديد قيد التشكل.. نظام من المفترض أن يجعل البشرية تكفرعن خطيئتها في حق الشعب الفلسطيني ومن شأنه أن يجعل هذا العالم مكانا لائقا للحياة.. صواريخ المقاومة الفلسطينية تنهال على حيفا وأشدود.. مفاوضات الملف النووي التي أفقدت نتانياهو عقله ودخل هذه الحرب الشعواء لإفشالها وكأنه “نيرون”..
وهناك في موسكو وبكين يقبع رجلان ينتظران مكالمة من نفس الرجل .. إنه بايدن الكسير الجريح.. ومكالمة واحدة قد تفعل الشيء الكثير.
ادريس حنبالي
13 -5- 2021