عقيدة المقاومة الفلسطينية ترتكز على فلسفة الجهاد في الإسلام
بقلم / محمد أسامة | أمريكا
كان الجهادُ في سبيل الله دومًا ذروةَ سنام الإسلام، وتاجًا على رؤوس أهل الإيمان، لاسيَّما إن كان في سبيل إعلاء كلمة الدين، وإجلالًا لرفعة الوطن، انضواءً تحت لواء هذه الأمة، وانصياعًا للنضال من أجل الحق، ويزداد الجهاد ارتقاءً ومرتبةً، وعلوًّا ومنزلةً، إن كان يتمُّ عن عقيدةٍ راسخةٍ، وعُروَةٍ شامخةٍ، وقضيَّةٍ سامقةٍ، فهو ثوبٌ من أثواب الجنة، وبابٌ من أبوابها، وسبيلٌ فضيلٌ لبلوغها.
والجهاد هو المرآة الصافية، والصورة الصادقة، والعلامة الفارقة، التي يميزُ الله بها الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، حينما يتطابق القول مع الفعل، وتتلاحم النية مع العزم، لأنه ساعةُ بلاءٍ واختبار، وتمحيصٍ واصطبارٍ، حينها يُعرَفُ من يثبتُ على الحق، ومن يزيغُ قلبه عن الهداية فيضلَّ الطريق وينقلِبَ على عقبيه فيكونَ من الخاسرين، وهو صفة للمؤمن الصادق إذ يقول الله تعالى في كتابه ( ٱنفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وللجهاد عند الله فضلٌ عظيمٌ، وأثرٌ جليلٌ، وجزاءٌ موقَّرٌ، وثوابٌ معظَّمٌ، فقد وعد الله تعالى المجاهدين من المؤمنين بالأجر وعلوِّ المنزلة، وبالفضل والفلاح وتمام المغفرة، وضمن لهم الهداية والإحسان والمنَّة، وارتقاء المنزلة في الجنَّة، وقد قال تعالى ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوٓاْ إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فالجهاد هو صفة المؤمن ورايته، ودليل صدقه وثبات كلمته، فإن الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وقدَّموا في الضرَّاء أرواحهم، أولئك عند الله هم الصادقون، وما اغبرَّت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسَّه النار، ولا خيرَ من عينٍ بكت من خشية الله، وأخرى باتت تحرس في سبيل الله.
والجهاد في سبيل الله هو السبيل لكشف الغُمَّةِ، وإعلاء راية الأمة، فإنَّ الله قد فرضه على عباده المؤمنين لأنه يعلم أنَّ الحقَّ كي ينتشرَ بين عباده، ويسود بين أهله ورجاله، لا ينتشر إلا بالكفاح من أجله، وبذلِ المال والروح في سبيله، فإنَّ أهلَ الشرور والفتن، وعبيدَ الطواغيت ودعاةَ الوهن، والكثير ممن باعوا أنفسهم من أجل الشيطان فأطاعوه، وصدَّق عليهم إبليس ظنَّه واتبعوه، قد نصَّبوا أنفسهم لطمسِ نور الحق، ومحاربة راية الدين، فلا يبصرون ضوءًا من أجل الإصلاح إلا أطفؤوه، ولا منبرًا يدعو إلى الله إلا كسروه، وبذلوا في محاربة الحق كلَّ وسائلهم الخبيثة، واستعملوا طُرقهم الرخيصة، حتى يبطلوا الحق وينصروا الباطل، ولا يتورعون عن استعمال كلِّ رذيلة، من أجل طمسِ أي فضيلة، لهذا أمرنا الحق تبارك وتعالى ألا نتعامل مع هؤلاء برحمة، ولا نمنَّ عليهم برأفة، وقال ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ) لأنَّ هؤلاء جميعًا مأواهم جنَّهم وبئس المصير.
والجهاد في سبيل الله أنواعٌ متعددة، وفروع مختلفة، أوَّلها جهاد النفس والصبر عن المحارم، ومجاهدتها في اجتناب المعاصي والمآثم، فإن هذا هو أوَّلُ مراتبه، وأهم أولوياته ومنازله، لأن صفاءَ النفس من داخلها، وطهارتَها من ذنوبها وآثامها، شرطٌ من شروط جهادها مع الآخرين، وضرورةٌ من أجل نجاح همتها، وعلوِّ شأنها، فمن كان أمام نفسه ضعيفًا، وأمام معاصيه وشهواته هزيلًا، كان ضعفه على ما سواها أعظمَ خطرًا وأضلَّ سبيلًا.
ومن الجهاد في سبيل الله كلمة حق في وجه سلطان جائر، فهو أفضل الجهاد وأعلاه، وأكرمه وأسماه، ومنه الجهاد بالدعوة والكلمة في وجوه أرباب الإلحاد الذين يشكِّكون في فرائض الدين، فيطعنون في تراثه، ويشتبهون في دلائله، ويعترضون على أصوله وأحكامه، فإن هؤلاء الذين ارتدوا ثياب “الليبرالية” ظلمًا وبهتانًا، وجهلاً وعدوانًا، قد نصَّبوا أنفسهم لمحاربة الإسلام من داخله، فيطعنون في فرائضه، ويشكِّكون في أحكامه، ويعترضون على كلام نبيه ويطعنون في صحابته الأبرار، وهؤلاء كان الجهاد أمامهم بالكلمة والعلم، وبالبحث والتدقيق والفهم، واجبًا وفرضًا، وضرورةً وركنًا، حتى تتفرَّغ الأمة لقتال أعدائها، والتصدي لخصومها، فلابد من تطهير دواخلها فذاك أهم وأعلى، وأعز وأغلى، وهو عند الله عظيم، وهناك الجهاد ضد المشركين والمنافقين بالمال والنفس، وصدُّ قطَّاع الطرق وأهل الشر، وهناك الجهاد في طاعة الله وعباداته من صلاة وصيام، وقيام وقرآن، وهناك الجهاد في الدعوة إلى دين الله بالكلمة تارة، وبالسلاح تارة، ومحاربة البدع والمنكرات والمفاسد وغيرُ ذلك مما يحتاج إلى صبرٍ وجلد، ومثابرةٍ وعزم.
ولطالما كانت “فلسطين” هي قلب الأمة النابض، وشريانها اليقظ الحي، الذي ينقذ الأمة من سباتها، ويرفع عنها عار هزائمها، وقد تجمهر عليها كل الطغاة من أهل الأرض، فقتلوا النفس، ويتَّموا الطفل، ورمَّلوا النساء وانتهكوا المحارم، ورفعوا راية الباطل واستعانوا بكل ما أوتوا من أجل طمس نور الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
وعلى الرغم من جشع الصهاينة في احتلال الأرض، وهتك العرض، وقتل النفس، يعاونهم أعداء الأمة من خارجها، وكثيرٌ من الخونة من بين أبنائها، فإنه لا تزال طائفةٌ من الأمة المحمدية على الحق ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرُّهم من خالفهم من أشباه المسلمين، وهم على ذلك حتى يأتي أمر الله، يقاتلون عن دينهم، ويرفعون راية أمَّتهم، وهم مرابطون في بيت المقدس وأكنافه، ويبيتون ساهرين على أطرافه، قد خلصت نفوسهم، وتطهَّرت نواياهم، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجاهدوا للوصول إليه، لا يموتون إلا وهم شامخون، ولا يذوقون الشهادة إلا وهم منتصرون.
إن الجهاد بالسلاح ضد من اغتصبوا الأرض، وهتكوا العرض، وحاربوا الدين، واجبٌ على كل مؤمنٍ في قلبه مثال ذرة من إيمان، ونفحةٌ من هدى القرآن، فمن عجز عن حمل سلاحه، وحيل بينه وبين الدفاع عن وطنه، فلا أقلَّ من كلمةٍ تُرهب قلب العدو الفاجر، والأثيم العاهر، ودعوةٍ في أعقاب الصلوات والخلوات، و لابد من بذل المال في أجل دعم المجاهدين حتى يقبضوا على سلاحهم، ويعالجوا جرحاهم، ويجدوا ما يقيم أودهم، وإنَّ من أعظم الجهاد في سبيل الله نشر تلك االقضية في شتى أنحاء العالم، حتى تظهر جرائمُ اليهود وأفعالهم، وينكشف أمام العالم فجورُهم وطغيانهم، فإنَّ كشف اللثام عن وجه الحقيقة الغائبة، ورفع الزيف عن تلك الأحداث الجارية، وتعريف الآخرين بصدق قضيتنا، وعدالة إرادتنا، هو لونٌ من ألوان الجهاد، وهو أمرٌ لو تعلمون عظيم، فإن الجهاد وإن كان في أمرٍ هيِّنٍ يسير، قد يكون عند الله ذا أثرٍ عظيم، وفضلٍ جليلٍ، وليس علينا أن نحتقر أمرًا، أو ندَّخر جهدًا، وإن صغر وكان ضئيلاً فقد يخدم قضيَّتنا، وينصر أمتنا.
إن الله تعالى ينصر هؤلاء المجاهدين على خصومهم، ويُعينهم على أعدائهم، يدُ الله فوق أيديهم، فإن هؤلاء الصهاينة وإن بغوا في الأرض، وأمعنوا في الظلم والقتل، وظهروا وكأنَّهم أقوى، وأشدَّ وأعتى، فإنهم في النهاية ضعفاء متناحرون، وجبناء ومترددون، بأسهم بينهم شديد، والخُلف بينهم عظيم، تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتَّى، وقد استطاعت صواريخ المقاومة الإسلامية الصغيرة أن تخترق قُبَّتهم الحديدة فتوقع الرعب في نفوسهم، وتغرس الذعر بينهم، فتوجعهم وتصيبهم، وتؤلمهم وتفزعهم، فكيف إذا استيقظ جيش من الجيوش العربية النائمةِ في سباتها، والغارقةِ في بحار غفوتها، وإنَّه لدليلٌ أنَّ نصر الله لتلك الأمة ليس عنا ببعيد، بل هو بإذن الله قريب.
وإن من شروط سداد الجهاد وتمامه، وتحقيق النصر وحدوثه، هو إخلاص النية لله تعالى في كل قولٍ وفعلٍ، وعزمٍ وجهدٍ، والإعداد الجيد للنضال، والأخذ بأسباب القوة من أجل الكفاحِ، والانضواء تحت راية الدين ورفع لواء الأمة، فإن هذا أقربَ للنَّصر، وأدنى للغوث، ولا يُغرُّ إنسان بتأخر النصر واستطالة أمده، وتقدم العدو وتوغل جيشه، فتشيخ عزيمته، وتخار قوته، وتتبخَّر آماله، فإنَّ الصبر شرط من شروط الجهاد في سبيل الله، وقد يتأخر النصر أحيانًا، ويطول البلاء أوقاتًا، وتعظم الشدائد وتلتهب المحن، وتستغلظ المصاعب وتشتعل الفتن، حتى يعلم الله المجاهدين، ويختبر الصابرين، ويرى من يثبتُ على إيمانه، ويقيمُ على مبادئه، ممن يضلُّ ويشقى، ويذلُّ ويخفى، وإنَّ النصر وإن بدا بعيدًا، وغدا مستحيلًا، فقد يهبه الله من حيث لا نحتسب إن صحَّت عقائدنا، وصفت نوايانا، ونضجت عزيمتنا، وتطهَّرنا من ذنوبنا وآثامنا، فالصبر سلاحُ المؤمن، وهو مفتاح الجنة، (إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ) وليس أمامنا إلا الثقة بنصر الله وفرجه، والسعي لإعلاء كلمته وحكمه، فإنَّ الله ينصر كلَّ من ينصرُه من المجاهدين (إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).