العدوان على غزة.. الدلالات والمآلات
بقلم: أ. إنعام هلال البطريخي
ما بين نفحات رمضانية وابتهالات دينية تصدح من أهل حي الشيخ جراح، ذلك الحي الواقع في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في مدينة القدس بالقرب من باب العامود، ويضم عددا من المباني السكنية والمطاعم التابعة لأهل الحي، تنطلق نداءات مسمومة من قبل قوات الشرطة الصهيونية وقطعان المستوطنين بإخلاء ذلك الحي دون وجه حق، بحجة إقامته على أراض يهودية، في لجوء جلي وواضح يهدف للتطهير العرقي، وإزالة ممنهجة للأهالي الأصليين من خلال القيام بسلسلة اعتداءات همجية ووحشية على المصلين والمرابطين، من ضرب واعتقال، مستغلين بذلك الضوء الأخضر الممنوح لهم من قبل المجتمع الأوروبي، والقوة الواهنة التي استمدوها من ترامب طوال فترة حكمه.
حتى يأتي الثامن والعشرون من رمضان الموافق 10/مايو/2021 ، وفي خطوة جريئة منهم ضاربين بعرض الحائط كل المواثيق الدولية التي تمنع التعدي على حقوق الغير، يقتحمون المسجد الأقصى ويطلقون فيه العيارات النارية على المصلين ويعيثون فيه فسادا، بدورها الفصائل الفلسطينية لم تقف مكتوفة الأيدي، وما بين مهلة وتهديد ووعيد بالرد في حال عدم خروجهم، فإنه لن يكون دورها مقتصرا على المراقبة.
وبالرغم من أن سخونة الخوف التي يشعر بها الصهاينة كفيلة بأن تصهر قلوبهم، استمروا في مجازرهم واستباحة المسجد الأقصى، مما أدى إلى تفجير الموقف، وتدخُّل المقاومة نصرة للمسجد الأقصى و إخواننا في حي الشيخ جراح لتتحول بوصلة الاعتداءات على غزة، وتشمر المقاومة عن ساعديها لتريهم العذاب أصنافا، وتكشر عن أنيابها كنسر ينقض بمخالبه على جيفهم ،فيهرع الآلاف منهم إلى الملاجئ، حالهم ككل حرب يشنونها على غزة، فقد كانت حرب (2008) التي أسماها العدو الرصاص المصبوب ، في حين أسمتها المقاومة حرب الفرقان واستمرت (21) يوما، وحرب (2012) التي أطلق عليها الاحتلال عامود السحاب، في حين أطلقت عليها المقاومة حجارة السجيل، واستمرت (8) أيام، وحرب (2014) التي أطلق عليها الاحتلال الجرف.
الصامد في حين أطلقت عليها المقاومة العصف المأكول واستمرت(51) يوما، ورغم إطلاق مسمى الحرب عليها فليس هذا المسمى بالمنطقي، ولن نقول إنها الحرب يا سادة، فالحرب تكون بين دولتين متساويتين في العتاد، أولا اليهود ليس لهم دولة ،إنما هم من بقاع مختلفة من الأرض، وثانيا هل يتساوي من يملك الطائرات والدبابات بمن يملك حجارة تطورت بصنع يدوي ومحلي لصواريخ تصل عقر تل أبيب؟،
وأيا كان هذا التطور فما بين الطرفين ليس بحرب بقدر ما هو عدوان غاشم بلا مبرر سوى الاستيلاء على حقوق الفلسطينيين، وفي كل مرة، يبدؤون فيها من حيث انتهوا في المرات السابقة، ليكون النصيب الأكبر في هذا العدوان من التدمير للأبراج السكنية والمباني العالية، والمنشآت والمراكز التعليمية، والبنى التحتية، بنك أهدافهم الأطفال والشيوخ والنساء، حتى ذوي الاحتياجات الخاصة لم يسلموا من قصفهم وغاراتهم العشوائية، يهدمون البيوت على ساكنيها بدون سابق إنذار، ويتعمدون في قتل عين الحقيقة، بقصف كل الإذاعات والأستوديوهات التي تنقل للعالم بشاعتهم، وفظاعة أعمالهم.
كل ذلك وسط صمت دولي وعربي من القاعدين والخوالف، ممن غيبوا أنفسهم في غياهب الإفلاس عن إقرار الحق الفلسطيني، ،إلا من تضامن شعبي ،وزحف من أبناء الشعوب العربية لا يبل الظمأ، هبوا بالمظاهرات والتنديدات، بالتزامن مع حملة التضامن الإلكترونية، حيث ضجت مواقع التواصل بفضح جرائمهم، رغم سياسة تكميم الأفواه التي اتبعها الفيس بوك بحظر كل من يدافع عن القضية الفلسطينية منحازين بذلك إلى جانب الصهاينة، أما عن الشعراء فقد تقاطرت أقلامهم وسال مدادها ليطلقوا عنان قوافيهم وينثروا الحروف ويسطروها على هامة الأشعار ملحمة علها تجدي في العروق المجدبة عروش المخازي وعبيد الكراسي.
وتبقى المقاومة بجميع الفصائل الفلسطينية صامدة ترد الضربة برشقة صاروخية، تدك تل أبيب بصواريخها وتضمد جراح الشهداء بالعزة والكرامة والشموخ طوال عشرة أيام، تحت عنوان سيف القدس حتى يرضخ الصهاينة ويتمرغ أنفهم في التراب في السعي لطلب الهدنة، لتنتصر فلسطين، لا بقوة السلاح إنما بفضل الله وعزيمة شعبها المقدام .
ورغم أن كل معاجم اللغة لن تستطيع وصف ما حل بغزة من دمار طال الحجر والشجر والبشر، ومهما أظلمت الدنا إلا أن الفجر آت واضح القسمات، وسيغزو الفلوات وتنقشع الظلمات، ونهنأ بالنسمات العليلات، وننتظر أمنية لها مكانتها قد اقترب تحقيقها.
ومن لم يكن تحقيقها قضيته الأولى فلا قضية له ولا مبدأ، فالصمت خيانة، وغض الطرف عما يحدث في الأراضي الفلسطينية بيع للإنسانية في مزاد علني، وتفريط بالعروبة، ومن يفرط في الدفاع عنها يقرأ على وطنه السلام، فمن يفرط بالجزء يفرط بالكل.