انهيار السلطة الذكورية في فيلم (حجر الصبر) للمخرج عتيق رحيمي

كاظم مرشد السلوم

“عتيق رحيمي” الذي حول روايته التي تحمل الاسم ذاته إلى فيلم سينمائي، و نال عنها جائزة غونكور في الأدب الفرنسي العام 2008 . الفيلم قريب من روح الأفلام الأفغانية العديدة التي أنتجت بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة، والتداعيات التي شهدتها أفغانستان نتيجة لذلك.

بمكنكم تحميل الرواية وقراءته بالضغط على عبارة:

حجر الصبر

الفيلم يتحدث عن فتاة ” كولشيفته فرحاني “لاتختلف كثيرا في معاناتها عن الفتيات الأفغانيات، بل هي انموذج اراد عتيق رحيمي أن يجسده ليحكي من خلاله قسوة وزيف المجتمعات التي تأكلها الحروب، ويحكمها الدجالون، الذين يرون في المرأة، كائنا ثانويا لايرقى لفحولتهم المقدسة .
أب لايهتم لعائلته همه الوحيد هو تربية الطيور والمراهنة عليها، العائلة هنا تأتي في المرتبة الثانية، وهذا ليس حاله فحسب بل هي حالة عامة، وتأكيدا على ذلك يقايض في إحدى رهاناته الخاسرة على إحدى بناته، هذا الوضع العائلي ينتج عنه زواج بائس يؤكد السلطة الذكورية، ويعقد على عجل، والنتيجة زوج عقيم، لايريد أن يعترف بعقمه، يحارب مع ” المجاهدين، وطبعا لايمكن لمجاهد أن يكون عقيما .
كيف يمكن للزوجة أن تحل هذا الإشكال وهي المنتقلة من سلطة الأب إلى سلطة الزوج وأهونهما مر لايطاق .
الحل الذي اختارته، حل مناقض لكل قيم المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه، حل فيه انتقام لأنوثها المسلوبة، حل ربما وضع ضمن الفيلم للسخرية من السلطة الذكورية، ومن المنظومة الاخلاقية المزيفة التي تسود المجتمع، حل يأتي من خلال ” الشادر” الأفغاني الذي يحجب جمال النساء كونه فتنة في عيون الرجال، الحل هو ان تحمل من عشيق، حتى ترضي كبرياء المجاهد الذي لايمكن أن يكون عقيما.
الإصابة التي يتعرض لها الزوج في عنقه تشله وتقعده عن الحركة والكلام ، ليحوله” عتيقي رحيمي” إلى حجر الصبر ، وهو الحجر الذي تروى له الأسرار كما يقول الموروث الأفغاني، هنا فقط تطمئن الزوجة إلى أنها تستطيع أن تخبر هذا الزوج المتسلط كل ماتريد قوله، وتبوح بكل اسرارها التي لايعرفها، وهو نوع من الانتقام الذي لايتحقق إلا عندما يتحول المتسلط إلى حجر صبر، ولكنه حجر آدمي ، لاحول له ولا قوة.
هذا التحول يحمل في ثناياه أكثر من معنى،عمد “عتيق رحيمي ” لتوظيفه لأشباع الحاجة النفسية، لكل النساء اللواتي يعانين من اضطهاد مجتمعاتهن.
تروي الزوجة لحجر صبرها كل معاناتها ورغباتها، والكبت الذي يخيم على كل نساء البلاد ، وحاجتها إلى رجل حقيقي يقاسمها الفراش، وهو صامت لايتحرك، اعترافها بعلاقتها بشاب يطل من باب الغرفة يدفع بحجر الصبر إلى الانتفاض او كما يقول الموروث ان حجر الصبر لايتحمل كل هذه الأسرار فيتفتت، وهذا يعني ان الأمور ستتغير، هنا حجر الصبر آدمي، انتفض لشرفه المهدور ، الجسد العاطل عن كل شيء ينتفض محاولا خنق زوجته التي استعدت لهذه اللحظة، لتغرز سكينا في قلب هذا الجسد الحجر، وهي الطعنة التي ربما تكون بداية لانعتاق حقيقي عن الاضطهاد أو قد يكون بداية لاضطهاد جديد، ربما يفرضه واقع مجتمع من الصعوبة بمكان تغيير نمط تفكير رجاله، بسبب السيل الجارف الذي أغرق البلاد بفوضى منذ أكثر من ربع قرن، سيل منبعه دول كبرى وحركات سلفية متشددة، ودول عظمى تريد الخراب لمجتمعات عديدة ترى فيها خطرا على مستقبلها.
بعد ان تشاهد الفيلم لابد لك أن تتساءل هل يحتاج كل فرد من أفراد المجتمعات المضطهدة إلى حجر صبر يروي له حكايته ومعاناته، أليس المراقد الدينية التي تنتشر في طول هذه البلدان وعرضها، تمثل حجر صبر للناس، ويقصدنوها يوميا لكي يحكوا على جدرانها حكاياتهم، ويطلبون مساعدتهالهم، بتوسلات مخضبة بدموع الثكالى والمقهورين والمظلومين، الذين لم يرفع عنهم الحيف ولن يرفع مادامت الافكار المتخلفة تتناسل في عقول الرجال يوما بعد يوم ، والضحية الاكبر هن النساء اللواتي لايجدن سبيلا لتجاوز محنتهن ، فالرجال هم الحاكمون في كل بيت ، وفي كل بيت ثمة ضحية أو ضحايا ، لايستطيعون الفكاك من واقعهم، لذلك يلجؤون الى حجر الصبر، الذي يتفتت لفرط المعاناة والحيف والظلم الذي يسمع من قبل الضحايا ، لكن كيف يمكن استبدال حجر الصبر بكائن بشري لاحول له ولاقوة .
هنا تأتي قوة التصرف في السرد الصوري ليدلل على المتن الحكائي ويعطيه القوة اللازمة لاقناع المشاهد، خصوصا اذا كانت الحكاية مستلة من واقع حقيقي، هو واقع بلدان عديدة وليس حصرا على مدينة او دولة ما .
عتيقي خبر الفن السابع جيدا ويعرف كيف يوظف أدواته السينمائية المتمثلة بعناصر اللغة السينمائية، لذلك نجح بعد أن توفر على ممثلة تمتلك كل مقومات وادوات التمثيل، وجه معبر يفيض بالمشاعر الانسانية، لذلك استطاعت ان تكون مقنعة الى حد
كبير .
التصوير جاء محسوبا بدقة الفعل الدرامي لحكاية الفيلم، من حركة كاميرا رشيقة ولقطات بنائية لمشاهد معبرة.
تأويل النص المرئي يحتمل الكثير ، الرسالة بأن الرجولة ليست في القتال، وان بناء المجتمعات لا يتم بالقتال وترك الوطن الأصغر ” البيت “عرضة للرياح، فالبلدان لا تبنى ببيوت هشة، وافكار سوداوية،ورجولة مصطنعة .ماالذي يمكن ان يؤول اليه مستقبل إمرأة عانت كل هذا العذاب، لتصل الى قرارها بقتل زوجها الميت أصلا، ماذا بعد انتهاك كرامتها وشرفها من رفاق القتال والدين، رفاق زوجها، هذه التساؤلات ربما تحيل المتلقى الى إجابات قد تتقاطع كثيرا مع دفق الأفكار المتطرفة التي تجتاح العديد من البلدان، والتي اصبح بعضها مكانا غير صالح للعيش.
أخيرا (حجر الصبر) فيلم مهم كونه يؤرخ لحقبة زمنية مملوءة بالكره والظلم والحيف والاضطهاد، حقبة مازالت مستمرة، وأحد أهم عناصر اإنهائها هي السينما التي تصل الى الملايين ضمن سرد صوري ممتع وشيق.