حين يغادر الجنود المكان

خالد جمعة | رام الله – فلسطين

حين يغادر الجنودُ المكان

حين يغادرُ الجنودُ المكان

سأخرجُ… لأشتري لك بضعة ملليمترات من الهواء

وأحاولُ ـ إن استطعت ـ أن أغني لكِ

كي تنامي

فأنتِ لستِ ابنتي، أعرف ذلك

لكنني أستطيع أن أكون أباكِ

ويمنعني الجنودُ من ذلك!!!

حين يغادرُ الجنودُ المكان

لا تكترثي بكل تلك الأشجار المحروقة

ولا بكل تلك الأعمار المحروقة

أو بتلك الأماني المحروقة

بل اتّكئي على كتفي

وحاولي بقدمك الوحيدة

أن تسيري الخطوات العشرين

التي تفصل البيت

عن بائع الحلوى

حين يغادرُ الجنودُ المكان

قولي لي ما كان يمنعك منه الخوف

أظهري دمعكِ ساخناً وملوّناً بقليل من الكحل

لن يلومك أحد على هذا

فجميعهم، قبل أن يأتوا ليتأكدوا أنك ما زلت حيةً…

قد بكوا شيئاً ما، وتماسكوا…

حين يغادرُ الجنودُ المكان

لا تغيّري وجهة نظركِ في الأشياء

الصورةُ المخزوقةُ بالرصاص

هي الصورة ذاتها

والمرآة التي كسرها كعب بندقية

هي المرأة التي كنتِ تتأكدين من جديلتيك عليها

وتزعجينني وأنا أنتظر

كي أوصلك إلى المدرسة

وقطّتُكِ السمينة تلك

أقصد التي تحوّلت إلى قطة ميتة

حين رفسها جنديٌّ بحذائه العسكري

هي القطة ذاتها

كل ما في الأمر يا حبيبتي

أن الجنود كانوا هنا…

حين يغادرُ الجنودُ المكان

سنضحك من ذلك الجندي الذي غالبه النعاس

فأطلق رصاصةً على الثلاجةِ

بعد أن صرخ عليه القائد فاستيقظ

فالجنودُ بشرٌ مثلنا

لكن الفرق بيننا وبينهم

أننا نحملُ كارثةً على ظهورنا

وهم يحملون بنادق في أعينهم

وتوراةً في أرواحهم

حين يغادرُ الجنودُ المكان

لا تعبثي بما خلفوه من الروايات

فهم يعرفون أنهم لا يعرفون سوى ما يعرّفونهم إياه

وذلك الكيس الذي سقط من خاصرة الجندي الأخير

ليس بالضرورة أن يكون كيس حلوى

فكثيراً ما يُسقط الجنود

أكياساً من الخُبث العسكري

ويبتهجون كثيراً حين تنطلي الحيلةُ

على المسالمين

حين يغادرُ الجنودُ المكان

سنقف أنا وأنتِ

ونقرأُ ما كتبوه على جدران بيتنا

ونضحك كثيراً

لأنهم أخطأوا في كتابة الحروف

فهم لا يعرفون لغتنا

لأن من علّمهم إياها

لم يكن يعرفها كذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى