بيني وبين العصافير
عبد الغني المخلافي | اليمن
في إجازتي أكون مع العصافير على موعد دائم على سطح منزلنا، عند إشراقة كل صباح، أعد طعامها، وأجلس أرقبها عن كثب بغبطة الأطفال. لا تفزع ولا تجفل من اقترابي، تكون قد بنت مع حلول مطر نيسان المتهاطل بغزارة أعشاشها
و تكاثرت. لها أكثر من أربعين عشًا على واحدة من الأشجار المعمرة ..استهوتها وجعلت من أفنانها مستوطنة رائعة للغناء.
ولدي نزار يحصي كل يوم أعشاشها المنسوجة ببراعة على الأغصان والروابي المتدلية. وكلما زاد لها عشاً أتى يبشرني بحماس وفرح. أظنه المسكين هو الآخر ورث عن أبيه هذه الهواية.. هكذا قالت أمي: كنت شغوفاً بالطيور في صغري
أقضي معظم أوقات يومي في السهول والحقول ألاحقها وفي البيت أربي من الحمام أنواعاً مختلفة . أقاسمها الطعام والشراب وأنام أحيانا معها. وإن ماتت منها واحدة أبكي وأحزن وأصر على دفنها، حتى لا تعبث الكلاب والقطط بجثتها.
لكثرة تأملاتي في الصباح أكتشفت العصافير في القرية تصحو متأخرة إلى الطعام المتوفر في الزرائب والبيادر المحيطة بالبيوت، خلافا عن عصافير الجبل، التي تسعى مبكرة خلف طعامها العسر في الشعاب والهضاب.
تطربني العصافير بنشاطها اليومي الذي تحدثه حول منازلنا وربانا الخضر، وتلك الأغاني الشجية، التي تطلقها في الأرجاء الربيعية.
كم هو الريف جميل لما يتركه على وجداننا من أثر يثري الخيال و ينمي الإحساس بمظاهر الطبيعة الخلابة وتعاقب المواسم والفصول. ويفتقد في زحمة ضجيج المدن وعوادمها.
تعمقت بيني وبين العصافير المعششة على أشجار ساحة منزلنا علاقة حميمة وأمتدت إلى عصافير أشجار المنازل الأخرى لاعتمادي المستمر على إطعامها وجبات ، كالحَبْ وبقايا الخبز والأرز، وتحويل سطح بيتنا مطعماً متنوعاً لمختلف الطيور.
تقول جارتنا: افتقدتني العصافير ، بعد مغادرتي. عبّرت على ذلك بجمهرتها أكثر من يوم على حائط منزلنا ، ثم تفرقت أسرابًا باحثة عن أرزاقها.